الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الهوي إلى السجود يكون على اليدين أم الركبتين

السؤال

حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)هل الأمر للوجوب أم الاستحباب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا الحديث المذكور في صحته خلاف مشهور بين المحدثين؛ لأنه من رواية محمد بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقد أعله البخاري شيخ الصناعة بأن محمد بن الحسن لا يتابع عليه ولا يدرى أسمع من أبي الزناد أم لا. وأعل الحديث كذلك الدارقطني وأبو حمزة الكناني وغيرهم. وعلته تفرد محمد بن الحسن به.

ومن صححه من المحدثين أجاب بأن محمد بن الحسن بلدي أبي الزناد وعصريه، فالحديث إذا على شرط مسلم. وبين الفريقين مناقشات طويلة. وعلى تقدير صحة الحديث فإنه لم يقل بوجوب استقبال الأرض باليدين أحد من أهل العلم المعتبرين من الأئمة المتقدمين، بل نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على صحة صلاة من استقبل الأرض بيديه أو ركبتيه، وإنما خلاف الأئمة في الأفضل منهما، فقد سئل رحمه الله عن الصلاة، واتقاء الأرض بوضع ركبتيه قبل يديه، أو يديه قبل ركبتيه‏؟‏

فأجاب‏:‏ أما الصلاة بكليهما، فجائزة باتفاق العلماء‏.‏ إن شاء المصلي، يضع ركبتيه قبل يديه‏.‏ وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه‏.‏ وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء‏.‏ ولكن تنازعوا في الأفضل‏.‏

فقيل‏:‏ الأول كما هو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين‏.‏

وقيل‏:‏ الثاني، كما هو مذهب مالك، وأحمد في الرواية الأخرى‏.‏ وقد روي بكل منهما حديث في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ففي السنن عنه‏:‏ أنه كان إذا صلى وضع ركبتيه ثم يديه، وإذا رفع رفع يديه ثم ركبتيه‏.‏

وفي سنن أبي داود وغيره أنه قال‏:‏ ‏‏إذا سجد أحدكم، فلا يبرك بروك الجمل، ولكن يضع يديه ثم ركبتيه‏.‏ وقد روي ضد ذلك، وقيل‏:‏ إنه منسوخ‏. انتهى من مجموع الفتاوى.

وشذ أبو محمد بن حزم فأوجب استقبال الأرض باليدين وهو محجوج بالإجماع على خلاف ما ذهب إليه. وقد ذهب المالكية والأوزاعي وبعض أهل الحديث إلى استحباب استقبال الأرض باليدين عند الهوي إلى السجود عملا بظاهر هذا الحديث، وخالفهم الجمهور فذهبوا إلى مشروعية استقبال الأرض بالركبتين استدلالا بحديث وائل ابن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. أخرجه الأربعة. وبالغ ابن القيم في نصر مذهب الجمهور والاستدلال له وتضعيف القول الأول في زاد المعاد. وبالجملة فالمسألة من مسائل الخلاف السائغ والتي لا ينبغي التشديد فيها ولا الإنكار، بل الخلاف فيها كما ذكرنا إنما هو في الأولى والأفضل. وقد جاء عن عمر وابن مسعود استقبال الأرض بالركبتين، وعن ابن عمر استقبال الأرض باليدين. فالأمر واسع كما ذكرنا، وقد رجحنا القول باستحباب استقبال الأرض باليدين في الفتوى رقم: 5982.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني