الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إثبات المجيء والاستواء والنزول لله تعالى لا يستلزم التجسيم

السؤال

لماذا لا تنزهون الله تعالى عن الجسمية، وأهل السنة مجمعون على أن الله تعالى منزه عن الجسمية. قال الإمام الشافعي: المجسم كافر. رواه السيوطي في الأشباه والنظائر، ونقل ابن حمدان في نهاية المجتهدين عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: إن من قال إن الله جسم فهو كافر، ونقله أيضا صاحب الخصال من الحنابلة، وقال أبويعلى الحنبلي: اتفقت طبقات الحنابلة على أن من نسب إلى الله الجسم أو صفات الأجسام كالانتقال فهو كافر. فلماذا لا تنزهون الله تعالى عن الجسمية والحركة والانتقال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.

وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وهو ما تكلم به الفقهاء والمحدثون وأئمة الإسلام، ولمعرفة ذلك انظر دواوين السنة كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وبقية الكتب الستة، ومسند أحمد، وانظر الإيمان لابن منده، والتوحيد له أيضاً، والتوحيد لابن خزيمة، والسنة لعبد الله بن أحمد، والسنة للخلال، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، وغير ذلك من الكتب التي عنيت ببيان معتقد أهل السنة والجماعة من خلال الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة.
والتجسيم بدعة قبيحة منكرة بل هي كفر بالله عز وجل، قال نعيم بن حماد الخزاعي: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله نفسه ورسوله تشبيهاً.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميةً: ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين، إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. {الشورى:11}. رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله:وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. [الشورى:11]. رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، الممثل يعبد صنما، والمعطل يعبد عدماً. انتهى. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.


واعلم أن المرء إذا جاءه الحق عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب عليه أن يسمع ويطيع، أما أن يخوض بعقله ورأيه في دين الله فلا يجوز بحال؛ بل قد يؤدي به ذلك إلى الكفر والضلال أعاذنا الله وإياك من ذلك، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. {الأعراف:33}.

ومن ناحية أخرى فإن الذين ينفون ما ثبت لله تعالى بزعم أنه يستلزم إثبات الجسم له سبحانه فهم إنما يعبدون عدما -والعياذ بالله- لأنهم يعطلون الله تعالى عن كل ما هو ثابت له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا للجسم فانف الأسماء بل وكل شيء؛ لأنك لا تجده في الشاهد إلا للجسم. انتهى.

وأما سؤالك عن الحركة والانتقال فلعلك تقصد به قوله تعالى: وجاء ربك والملك صفا صفا. وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ. {البقرة:29}. وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.

فنقول: منهجنا في ذلك إثبات صفة المجيء، وصفة الاستواء، وصفة النزول لله تعالى، على الوجه الذي يليق بجلاله، فأي محذور في ذلك؟ هل تنقم منا إلا أن آمنا بما قاله الله عن نفسه وبما قاله عنه رسوله عليه الصلاة والسلام دون زيادة أو نقصان أو تحريف؟!

فإن قلت: إن إثبات المجيء والاستواء والنزول يستلزم تشبيهه بخلقه؛ لأن المجيء والاستواء والنزول من صفات الأجسام ،فيجب تأويل هذه النصوص. قلنا: لا يلزمنا صرف هذه النصوص عن ظواهرها؛ لأننا إنما أثبتنا له مجيئا يليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، ونزولا يليق بجلاله، لا مجيئا كمجيء خلقه، ولا استواء كاستواء خلقه، ولا نزولا كنزول خلقه.

فإن قلت: إذن أنتم تقولون إنه جسم لا كالأجسام. قلنا: إن الجسم من الصفات أو الألفاظ التي لم يأت الكتاب والسنة بنفيها ولا إثباتها، لذلك لم يتعرض لها السلف لا نفيا ولا إثباتا، والقاعدة في ذلك أن يستفصل قائلها، فإن أراد به مثبته معنى صحيحاً وافقناه على ذلك المعنى الصحيح، ولم نوافقه على استعمال ذلك اللفظ وإلا فلا، والأولى الإعراض عن هذا اللفظ على كل حال، فقد قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: الكلام في وصف الله بالجسم نفياً وإثباتاً بدعة، لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن الله ليس بجسم، كما لم يقولوا: إن الله جسم؛ بل من أطلق أحد اللفظين استفصل عما أراد بذلك، فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعاً كثيراً، فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيهه عنه مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق. ولا ريب أن من جعل الرب جسماً من جنس المخلوقات فهو أعظم من المبتدعة ضلالاً؛ دع من يقول منهم: إنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقول عنهم. إلى أن قال رحمه الله تعالى: وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه من الألفاظ المجملة، وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه... انتهى.

وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53925، 191440110330

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني