الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جمع الزكاة من مهمات ولي أمر المسلمين

السؤال

أعلن مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر أن إخراج الزكاة بقوة القانون مرفوض على الرغم من أن سيدنا أبا بكر الصديق قد حارب مانعي الزكاة وهي حق للفقراء في أموال الأغنياء فهل يجب على الحاكم جمع الزكاة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام، ودعائمه العظام، وهي قرينة الصلاة وأختها في كتاب الله، ولذا كان من وظيفة ولي أمر المسلمين الذي أقيم لحراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين، أن يقيم هذه الشعيرة العظيمة وألا يسمح لمن تسول لهم أنفسهم منع حق الله في أموالهم، أن يحرموا مستحقيه منه، وهذا هو ما طبقه النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يبعث السعاة لجمع الصدقات من الناس، وعلى هذا سار الأئمة من بعده، واتفق الصحابة على قتال من امتنع من أداء الزكاة إلى الخليفة، وإذا كانت كل القوانين الوضعية تلزم الأغنياء بإخراج نصيب من أموالهم، وهو المعروف بالضرائب، فكيف يقال إن ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم واتفقت كلمة الصحابة من إلزام مانعي الزكاة من أدائها مرفوض، وهذه بعض نصوص أهل العلم، تدلك على أن جمع الزكاة من أهم وظائف ولي الأمر، قال الشيرازي في المهذب: ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ. انتهى.

وقال المرداوي في الإنصاف: يجب على الإمام أن يبعث السعاة عند قرب الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر، وأطلقه المصنف، وقاله في الرعاية الكبرى والوجوب هو المذهب. انتهى..

وقال الحافظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في (أموالهم) إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا احتجوا بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ. وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال الصديق: والله لو منعوني عقالاً -وفي رواية: عناقاً- يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه. انتهى.

ونحب أن ننبه إلى أن وجوب بعث الإمام السعاة لأخذ الزكاة إنما يختص بالمال الظاهر، وهو الذي تتعلق به أنظار الفقراء كالسائمة والزروع والثمار، وأما الأموال الباطنة كالنقد وعروض التجارة فيزكيها أصحابها، وإن طلبها الإمام دفعت إليه، وإن علم أنهم لا يخرجونها فيجب عليه طلبها، وقد صح عن عثمان أنه قال: أيها الناس هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضه، ثم أدوا زكاة ما بقي من أموالكم. قال في الروض المربع: ويجب على الإمام بعث السعاة قرب زمن الوجوب، لقبض زكاة المال الظاهر، كالسائمة والزرع، والثمار، لفعله عليه الصلاة والسلام وفعل خلفائه رضي الله عنهم بعده. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني