الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الطلاق تحت ضغط الإكراه

السؤال

خطبت فتاة، وتم كتب الكتاب الشرعي على يد شيخ، وبحضور والد الفتاة والفتاة وجمع من الأقارب، ولكن والدة الفتاة لم تكن موافقة على عقد الكتاب بحجة أنه يلزمنا وقت لندرس بعضنا، وبعد فترة شهر كان بيني وبين الفتاة خلوة شرعية، وتم الدخول قبل موعد العرس على الفتاة، وبدون علم أي أحد، ولكن الموضوع انكشف بعد فترة، وهنا جن جنون والدة الفتاة، وقالت يجب عليك أن تطلق البنت لأنك فعلت فعلتك لتكسر أعيننا وتضعنا تحت الأمر الواقع، وتأخذ البنت غصبا عنا، فقلت لها: لا، الموضوع ليس فرض أمر واقع، ولكن أنا متمسك بالبنت وأريدها زوجة لي، ولكن والدتها أصرت على موضوع الطلاق، وقالت إذا كنت تريدها طلقها وأرجع لها بعقد جديد بعد ذلك، ولكن نتيجة الضغوط والتهديد والوعيد والتشهير لأهلي وبي بمكان سكني وعملي، ولأرفع الضغط عني وعن زوجتي اضطررت إلى تطليقها نزولا عند رغبة أمها، ولكني أمام الشهود قلت لهم إني سوف أقدم على هذه الخطوة وأنا مكره ولا أرغب بالطلاق، لكن لا حول ولا قوة لأنهم حتى لم يسمحوا لي بمقابلة زوجتي ويوم تم الطلاق أتت الفتاة، وقالت لي أني أسامحك في مقدم ومؤخر المهر ولا أريد منك أي شيء، وأنا بدوري قلت لها أنا لا أريد منك أي تنازل لأني أرغب بالعودة لك وضمن العدة والكلام الذي بيني وبينك أوثق من أي تنازل، ولا أريد أي أوراق مكتوبة أو ما شابه، وقلت لها أمام الشهود أني مكره وأنت طالق طلقة واحدة بائنة بينونة صغرى وتجب عليك العدة الشرعية بدءاً من الآن، علما بأني متمسك بزوجتي وأريدها وأحبها، ولكن الظروف أكبر مني ومنها وضغط أهلها عليها كبير بحجة أنه لو أني تزوجتها بهذه الطريقة فإني سأذلهم وآخذها رغما عنهم، فأرجو الإفادة هل الطلاق واقع شرعا، وهل أنا آثم أم لا، وهل يجوز لي أن أرجعها ضمن العدة الشرعية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكان الأولى بك ألا تتعجل أمر الدخول بزوجتك قبل الوقت المحدد لما في ذلك من إلحاق الأذى بأهلها ومخالفة العرف المتفق عليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2940، ولكن بما أنه قد كان ما كان فقد ثبت لها بذلك المهر كاملاً، ووجب عليها العدة إن حكمنا بوقوع الطلاق.

يبقى بعد ذلك النظر في أمر هذا الطلاق فنقول: إن كانت هذه الضغوط التي وقعت عليك قد بلغت حد الإكراه الملجئ، كأن كانوا قد هددوك بإلحاق أذى شديد من أخذ مالك، أو إلحاق ضرر بالغ بك في بدنك أو عرضك ونحو ذلك، وكانوا مع هذا قادرين على إيقاع ما هددوك به، فلا يقع الطلاق حينئذ، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 40934، 72802، 6106، وبينا في الفتوى رقم: 24683 حد الإكراه المعتبر شرعاً.

أما إذا كانت تهديداتهم لم تصل إلى هذا الحد المذكور فقد وقع طلاقك، ولكنه يقع رجعياً على الراجح من أقوال أهل العلم، فلك أن ترتجعها ما لم تنقض عدتها، قال الشافعي في الأم: ولو قال لها أنت طالق واحدة بائنة كانت واحدة تملك الرجعة. انتهى. وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام.. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 115299، والفتوى رقم: 58447.

أما ما تسأل عنه من الإثم، فإن الطلاق على الوجه السني المشروع لا حرج فيه ولا يلحق صاحبه إثم، وقد سبق بيان صفته وصفة البدعي المحظور، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 119498، 55202، 24444.

ومن خلال هذه الفتاوى تستطيع معرفة ما إذا كان طلاقك -في حال الحكم بوقوعه- سنياً أم بدعياً، لأنه لا علم لنا بتفاصيله. لكن في ضوء ما ذكرت.. ننبهك على أن إيقاع الطلاق مقترناً بوصف البينونة -كما حصل منك- غير جائز، لأنه مناقض لمقصود الشارع من بقاء الزوجة تحت عصمة زوجها حتى في زمن العدة، فعليك أن تستغفر الله من ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني