الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعر بالضيق حين علم أن الجنين في بطن امرأته أنثى

السؤال

زوجتي حامل، وقد علمت اليوم أنّ الجنين بنت، وبكلّ صراحة فقد تكدّرت بشكل مفرط فأنا عربيّ من تونس ولا أحبّ سوى الذٌكور، وأعلم أنّ هذا ممّا نهي عنه في الكتاب والسّنّة، وقد غالبت نفسي دون فائدة لانتزاع هذا الإحساس، فهل عليّ ذنب فيما أحسّ، علما بأنّي أعيش في كندا وتربية البنات صعبة هنا، ولا أستطيع بعثها إلى تونس لتتربّى خصوصا وأنّ الدولة تمنع الحجاب هناك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ينبغي أن نفرق بين مجرد ميل النفس لشيء ما، وبين ظهور أثر ذلك بالسلب قولا أو عملا ، فمن جزع وتسخط وتبرم بقضاء الله فهذا الذي عليه العتب، وقد سبقت الإشارة إلى أن بغض البنات من أخلاق الجاهلية في الفتوى رقم: 52159.

وأما من وجد في نفسه ميلا لإنجاب الذكور ومحبة وشوقا لذلك، فإذا ولدت له بنت لم يجزع، ولم يظهر كراهة لذلك بقول أو فعل، فهذا لا لوم عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. وقال- أيضا- صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم. رواهما الشيخان. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 74846. وبهذا يعلم السائل الكريم أن مجرد إحساسه بكراهة أن يكون حمل زوجته بنتاً لا حرج عليه فيه ما دام الأمر واقفاً عند هذا الحد ولم يترتب عليه أثر في السلوك، كإساءة معاملة البنت أو أمها أو التحدث إلى الناس في ذلك.

فما دمت تجاهد هذا الشعور ولا يترتب عليه محظور شرعي، فلا شيء عليك في ما تجده في نفسك، والأفضل من ذلك أن يسعى العبد لتحقيق الرضا ولا يكتفي بحصول الصبر، بمعنى أن لا يتمنى غير ما قضاه الله تعالى، بأن يعلم أن الله تعالى هو العليم حكيم، الرءوف الرحيم، الغني الكريم، فما دام هذا قضاءه فلا بد أن يكون خيرا، فاختيار الله تعالى لعبده خير من اختياره لنفسه، قال تعالى في الزوجات: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرا.ً {النساء:19}. وقال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة:216}.

ومهما ترسخ هذا الاعتقاد في القلب فسيثمر فيه من معاني الإيمان ما ينشرح به الصدر ويطمئن به القلب.

وينبغي للسائل الكريم أن يتذكر ما في عيالة البنات من الفضل، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين. وضم أصابعه. رواه مسلم والترمذي. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام الآتية: 68992، 49195، 75191.

وأما ما ذكره السائل الكريم في تعليل كراهية البنات بأن تربيتهن أمر مستصعب في البلد الذي يعيش فيه وهو كندا، وأن إرسالهن إلى بلده الأصلي أمر صعب فالدولة هناك تمنع الحجاب، فهذا لا ينبغي أن يتوقف عنده العاقل كثيراً، فالمرء مطالب بفعل ما هو في طاقته وليس مطالباً بفعل المزيد.

وعليك أن تعلم أن الإقامة في بلاد الغرب مظنة للفتنة وتضييع شعائر الدين، وفساد الذرية ذكوراً كانت أو إناثاً. واعلم أن أرض الله واسعة ودين المرء رأس ماله.. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 3497، وعلى أية حال فإنا نوصي السائل أن يتقي الله ما استطاع ويتذكر قوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا*ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.....ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا. (التحريم:2-4) .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني