الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال الفقهاء في ميراث القاتل المجنون

السؤال

امرأة قتلت زوجها وهى فى حالة جنون، ولقد حكمت المحاكم الشرعية فى السعودية بعدم مسؤوليتها، وقبل أهل الزوج الدية ولكنهم اشترطوا على أبيها أن يتنازل عن كل حقوقها من ناحية زوجها مثل :1- ميراثها من زوجها 2- معاشها من زوجها3- حضانة أولادها4- حتى عفش الزوجية وذهبها ومؤخرها وأموالها الخاصة أخذوهاالمرأة ماتت ولها تركة ولها أم، وولد، و3 بنات.
الأسئلة :1- هل ترث من زوجها الذى ثبت قتلها له وهى فى حالة جنون حيث إنه أخرجها من المستشفى فى السعودية بعد أن أنهت السعودية التعاقد معها لمرضها، وقبل السفر ضربته على رأسه ومات، وقرر الأطباء والقاضى الشرعى أنها كانت فى حالة جنون ولا قصاص عليها وعليها الدية والصيام ؟2- هل حقوقها من زوجها التى تنازل عنها أبوها ليقبل أهل الزوج الدية كى تعود المرأة من السجن فى السعودية، هل هذا التنازل المرغم عليه الأب أسقط هذه الحقوق ؟3- بعد موت المرأة، تركة المرأة عند إخوتها، هل من حقهم اقتطاع مقابل السدس-نصيب الأم الحية- من الأموال التى أخذها أهل الزوج بدون وجه حق مع أنهم ينوون إخراج هذا المال صدقة جارية لها ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما عن ميراث المرأة المشار إليها من زوجها فينبني على الراجح من أقوال الفقهاء في ميراث القاتل المجنون، ومذهب الشافعية والحنابلة أنه لا يرث، فالشافعية منعوا من ميراث القاتل مطلقا، والحنابلة منعوا من ميراث القتل المضمون بقود أو كفارة كالعمد، وشبه العمد، والخطأ، وما جرى مجرى الخطأ، كقتل المجنون. وأما الحنفية فلا يرون قتل المجنون مانعا من الميراث، وكذا المالكية يورثون القاتل المجنون من المال ولا يورثونه من الدية.

والذي نراه راجحا هو ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية في منع القاتل المجنون من الميراث مطلقا من المال ومن الدية، لأنه أقرب إلى قوله صلى الله عليه وسلم: لا يرث القاتل شيئا. رواه أبو داوود وصححه الألباني.

وأما مطالبة أهل الزوج بأن يسقط مؤخر صداقها، فجوابه: أنه لا يحل لأهل الزوج أن يمنعوها من أخذ مؤخر الصداق، لأنه دين ثابت في ذمة الزوج بما استحل من فرجها، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بإسقاط الدين بالقتل، فلا يجوز لهم إسقاط مؤخر الصداق، ولا يجوز لهم أخذ مالها الخاص وأغراضها الشخصية، ولا يجوز لهم أخذ المعاش الذي تدفعه جهة عمل زوجها لها، وكل هذا من الاعتداء وأكل أموال الناس بالباطل.

وفيما إذا كان يجوز لأبيها أن يتنازل عن شيء من حقها، فنقول ابتداء: إذا حكمت المحكمة الشرعية أنها مجنونة، وأن قتلها لزوجها من قبيل قتل الخطأ، فإن المحكمة الشرعية يجب أن تطلق سراحها، ولا مجال حينئذ لأهل الزوج في أن يساوموها بين إطلاق سرحها وبين التنازل عن حقوقها، ولكن لو فرض أن الأمر وقع ولم يستطع والدها إخراجها من السجن إلا بالتنازل عن بعض حقوقها، فلا نرى مانعا من ذلك، وينفذ تصرف الأب، وبيان ذلك أنه لا يجوز في الأصل لولي السفيه والمجنون واليتيم أن يتنازل عن شيء من ماله، لأن الولي له حق التصرف وليس له حق التبرع والهبة، وحتى في الصلح ذكر الفقهاء أنه لا يصح الصلح على شيء من المال ممن لا يملك التبرع منه كولي اليتيم، ولكن أجاز الفقهاء لولي المحجور عليه أن يتنازل عن شيء من ماله إذا لم يستطع أن يتحصل على حقه إلا بذلك، كأن يأخذ شخص من مال المحجور عليه ثم ينكر ولا بينة، فيجوز لولي المحجور عليه أن يصطلح مع المنكر فيسقط عنه جزءا ليؤدي الباقي، وهذا خير من ضياع المال بأكمله.

قال في منار السبيل في باب الصلح : ولا يصح من ولي يتيم ومجنون، وناظر وقف، لأنه تبرع ولا يملكونه إلا في حال الإنكار وعدم البينة، لأن استيفاء البعض عن العجز أولى من تركه. انتهى.

ولا شك أن إخراجها من السجن إن تعذر بغير ذلك أولى من حفظ بعض المال، ولا يجوز لأهل الزوج أن يتكئوا على القانون إن كان يمكنهم من إبقائها في السجن إذا لم تتنازل عن حقوقها على زوجها، والقانون المخالف للشرع لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا، فعليهم أن يتقوا الله تعالى.

وأما مطالبتهم بإسقاط حقها في الحضانة، فإن الأم المجنونة لا حق لها في حضانة أولادها الصغار، والجنون مانع من موانع الحضانة. قال خليل في مختصره: وشرط الحضانة العقل والكفاية.

ولم يتبين لنا المقصود بوضوح من قول السائل: هل من حقهم اقتطاع مقابل السدس..الخ . والمهم أن يعلم أن التركة حق لجميع الورثة كل بحسب نصيبه الشرعي، ولا يجوز أخذ حق أمها أوغيرها من الورثة بدون رضاه وإذنه بحجة التبرع به عن المرأة الميتة.

وتجدر ملاحظة أن هذه القضية هي من اختصاص المحاكم الشرعية، وطالما أنها قد أحيلت منذ البداية إلى محكمة شرعية فكان من الواجب أن يحسم النزاع عند تلك المحكمة ولا يترك المجال لأي طرف بأن يشترط شروطا لم ينزل الله بها من سلطان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني