الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

توفيت والدتي واثتين من إخواني في حادث مروري، ومات الشخص المتسبب في الحادث؛ علما أنه كان عاكسا للطريق السريع، وكانت سرعته حسب إفادة المرور 160 كم/ س، وأيضا بعد تحليل دمه وجد فيه مواد مسكرة ولم يذكرها لي الطبيب بسبب الستر على الميت. فسؤالي جزاكم الله خيرا: هل آخذ الدية أم أعفو؟ علما أن والدي عليه ديون، وأنا كذلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يغفر لجميع موتاك، وأن يلهمك الصبر والسلوان.

وأما ما سألت عنه أيها الأخ الكريم فجوابه أن ما نتج عن ذلك الحادث من وفيات فإنه يعتبر قتلا خطأ. قال ابن قدامة في الكافي : والخطأ: وهو أن لا يقصد إصابته فيصيبه فيقتله. اهـ من الكافي.

وتتحمل عاقلة القاتل دية جميع الوفيات إلا أن يعفو أهل القتيل عن الدية، وتكون الكفارة في ماله هو عن كل قتيل. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَل َمُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا {النساء: 92}.

وكونه قد فعل الفعلة وهو في حالة سكر لايسقط الدية والكفارة. وراجع الفتاوى رقم: 62905، 10132، 11470.

وإذا أخذ أهل القتيل وورثته الدية فلا حرج عليهم، ولا ينقص ذلك من أجر المتوفين شيئا، وإن عفوا وأصلحوا فلهم الأجر والمثوبة عند الله.

وينبغي لمن أراد منهم أن يعفو أو يأخذ بحقه في الدية أن يستشير ذوي الرأي والصلاح من قومه. ويستخير الله عز وجل فيما يذهب إليه من ذلك، وما خاب من استخار ولا ندم من استشار. وقد قال الشيخ تقي الدين: العدل نوعان، أحدهما: هو الغاية وهو العدل بين الناس، والثاني: ما يكون الإحسان أفضل منه وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعرض، فإن استيفاء حقه عدل والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر. فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي لنفسه، وأما لغيره فلا يشرع، ومحله ما لم يكن لمجنون أو صغير فلا يصح العفو إلى غير مال لأنه لا يملك إسقاط حقه. انتهى

وهنا ننبه السائل الكريم إلى أن حق العفو أو المطالبة هو لجميع ورثة المتوفين ولا يستقل به أحد منهم دون غيره من ورثتهم.

قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: إلا أن يصدقوا: إلا أن يبرئ الأولياء ورثة المقتول القاتلين مما أوجب الله لهم من الدية. اهـ

وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفقوا على أن دية النفس تسقط بعفو أو إبراء جميع الورثة المستحقين لها. وإذا عفا أو أبرأ بعضهم دون البعض يسقط حق من عفا وتبقى حصة الآخرين في مال الجاني إن كانت الجناية عمدا، وعلى العاقلة إن كانت خطأ.اهـ

وفي منح الجليل: وإن عفا بعضهم فللباقي والأصاغر حظهم من الدية. انتهى.

وللفائدة انظر الفتويين: 3797، 118418.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني