الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كنت أظن أن نسيان سجدة يجبر بسجود السهو وكنت متأكدة من ذلك، وعلمت مؤخراً أن ذلك غير صحيح. فماذا أفعل؟ علما بأني أتبع المذهب المالكي. وهل يمكن لي اتباع حكم مذهب آخر إذا كان أيسر؟ إذا كان علي إعادتها فكيف يكون ذلك، علما بأني في العادة ينتقض وضوئي بعد وقت قصير من إنهاء الصلاة المكتوبه وأجدد دائما الوضوء لكل صلاة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبهكِ أولاً إلى أن المسلم يجبُ عليه أن يسأل أهل العلم عما أشكل عليه، ليكون على بصيرة من أمر دينه، لقوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {النحل:43}. وليس للمسلم أن يسأل عن أيسر الأقوال وأخفها طلباً للرخص، بل يسأل عن حكم الله في المسألة وما يقضي به الدليلُ فيها، فمهما كان اتبعه وعمل به.

وأما عن مسألتك، فاعلمي أن السجود من أركان الصلاة، فلا تصح الصلاة بتركه، لا عمداً، ولا سهواً، ولا جهلاً، ففي حديث المسيء صلاته المتفق على صحته، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً. متفق عليه.

فدل على ركنية سجدتين في كل ركعة، وما كان من باب الفرائض والأركان، فإنه إذا ترك سهواً لم يُجبر بسجود السهو بمجرده، بل لا بُد من الإتيان به.

قال ابن رشد: وأما الفرائض فلا يجزئ عنها إلا الإتيان بها، وجبرها إذا كان السهو عنها مما لا يوجب إعادة الصلاة بأسرها على ما تقدم فيما يوجب الإعادة. انتهى.

وبه تعلمين أن من نسي سجدة في صلاته وجب عليه الإتيانُ بها متى ذكرها، فإن ذكرها قبل الوصول إلى محلها من الركعة التالية رجع إليها، وقال بعض العلماء: بل إذا شرع في قراءة الركعة التالية، ألغى الركعة التي تُركت سجدتها، وأقام التالية مقامها، وإن لم يذكر تلك السجدة حتى وصل إلى محلها من الركعة التالية، فإنه يُلغي تلك الركعة التي نسي منها تلك السجدة، وتقوم الأخرى بدلها، فإن لم يذكر حتى فرغ من صلاته أتى بتلك الركعة، ما لم يطل الفصل أو ينتقض وضوؤه، فإن لم يفعل وطال الفصل بطلت تلك الصلاة ووجب عليه إعادتها.

قال ابن قدامة فيمن سلم من صلاته عن نقص: فإن طال الفصل أو انتقض وضوءه استأنف الصلاة، وكذلك قال الشافعي إن ذكر قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه و سلم يوم ذي اليدين، ونحوه. قال مالك: وقال يحيى الأنصاري، والليث، والأوزاعي: يبني ما لم ينقض وضوءه، ولنا أنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل كما لو انتقض وضوءه، ويرجع في طول الفصل إلى العادة من غير تقدير بمدة وهو مذهب الشافعي في أحد الوجوه. انتهى.

وبهذا كله تعلمين أن الواجب عليكِ أن تتحري تلك الصلوات التي نسيت فيها سجدة، ولم تأت بها بل اكتفيتِ بجبرها بسجود السهو، ثم تقضين جميع تلك الصلوات لأنها دينٌ في ذمتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.

ولكن ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن من ترك شرطا أو ركنا من شروط الصلاة أو أركانها جاهلاً لم يكن عليه القضاء، واستدل على ذلك بحديث المسيء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء ما مضى من صلوات ترك بعض أركانها، وبغيره من الأحاديث، ومذهب الجمهور أحوط وأبرأ للذمة وهو المفتى به عندنا، وانظري للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 109981.

إذا علمتِ هذا وعلمت أن الإعادة واجبة عليك، فإنك تقضين حسب الطاقة، وإذا انتقض وضوؤك لزمك إعادته، لأن الصلاة لا تصح بغير وضوء، فإن كنت ذات حدث دائم، كأن كنت مستحاضة أو معذورة بسلس البول أو نحوه، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول الوقت، وتصلين ما شئت من الفروض والنوافل ما لم يخرج الوقت، وانظري الفتوى رقم: 98130، وعند مالك أن المعذور بالسلس ونحوه لا يلزمه الوضوء لكل صلاة، وإنما يُستحب له فقط.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني