الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم سب الوالد وانتقاصه في حال غيابه

السؤال

نحن أبناء لـ أب، الأب كان عاصيا لأمر الله، يشرب الخمر ولا يهتم بنا إطلاقاً في طفولتنا ولم يربنا، بل على العكس المشاهد التي كنا نراها ونحن أطفال أثّرت في نفسياتنا وجعلت منا ذوي حالات اكتئاب في المراهقة والشباب, وحتى أمراض عضوية. أستطيع أن أقول أنه يتسبب لي بمعاناتي التي جعلتني غير سويةً في الحياة وبسببه أصبت بمرض نفسي أدخلني في متاهات أذوق منها الويل والمرارة في الحين واللحظة كل يوم، وأمي أيضاً وهي في نهاية الأربعينات تعاني من عصبية وظروف نفسية هو سببها. كان سيئا جداً معنا ومع والدتنا وكان يخيفنا بمشاهده التي كان يفعلها وهو سكران في الليل والصباح, اليوم صرنا كبارا وهو لم يعد يشرب الخمر ولكنه لا يزال بعيدا عنا حيث إنه تزوج من أخرى ويعيش معها ويزورنا باليوم ساعة أو ساعتين, هو يحاول الآن أن يتودد ويتقرب إلينا بشتى الوسائل، نحن لا نحبه ونكرهه ونبغضه جداً لأن ما علق في أذهاننا مذ كنا أطفالاً لم يمح من الذاكرة ويؤثر كثيراً فينا حتى الآن، يعني لا نستطيع أن نحبه ولا نقدر أن نشعر به كأب لنا، ولكن في نفس الوقت نحن لا نسيء التعامل معه ونحترمه ونجله ونقدره أمامنا. ولكن كل ذلك تمثيل وليس من القلب، إنما مرضاة لله عز وجل، فإننا نقسو على قلوبنا كي نكون بارين به ولا نكون وقحين معه. القضية الأهم : هو أننا في غيابه تخرج منا شتائم عليه نشتمه في حديثنا حينما نتحدث دون قصد -في غيابه وليس في حضوره- لم نشعره مرةً أننا نكرهه ولكن في غيابه لا نستطيع أن نذكره بخير أبداً ،وكثيراً ما تصدر منا شتائم له. فهل يحاسبنا الله على كرهنا له بالرغم من أننا نشعره أننا لسنا كذلك؟ وهل يقع علينا إثم لأننا نشتمه أحياناً دون قصد، خاصةً وأن إحدى أخواتي رأته في نومها جالس عندنا في البيت وأنه يحتضر ورأت نفسها تركض إليه وتصرخ وتقول :سامحني يا أبي كنا نشتمك؟
فما رأيكم؟ لا أريد تفسيرا للحلم طبعاً إنما ذكرته كشاهد وكتتمة للحديث.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن أباكم -سامحه الله وغفر له- قد وقع في محارم الله وانتهك حرماته بهذه المعاصي، ثم بتضييعه لحقوقكم عليه. فإن الوالد كما له على ولده حق فإن لولده عليه أيضا حقا، ومن حقه عليه أن يعلمه ويؤدبه وينفق عليه.

ولكن ينبغي التنبه إلى أن تضييع الوالد لحقوق ولده لا يسوغ للولد أن يقابله بمثل ذلك، بل عليه أن يراقب الله في والده وأن يؤدي له حقوقه من البر والصلة على أكمل وجه، فإن حق الوالد على ولده لا يسقطه شيء.

وأنتم لا تطالبون بحب أبيكم من قلوبكم فإن أمر الحب والبغض لا يملكه الشخص وإنما هو بيد الله سبحانه وحده , ولكن الذي تطالبون به هو أن تحسنوا إليه في الظاهر، وتتجنبوا الإساءة إليه في حضوره وغيابه على السواء. أما أن تتظاهروا باحترامه حال وجوده فإذا غاب عنكم أخذتم في سبه وشتمه وأكل لحمه فهذا حرام لا يجوز بل إن سبه من أكبر الكبائر, ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.

فهذا في حق من تسبب في سب والديه أو أحدهما، فكيف بمن باشر سبهما والعياذ بالله ؟ ولذلك تعجب الصحابة ممن يسب والديه لأن هذا أمر لا يكاد يصدق.

كما أن انتقاصكم له بذكر عيوبه ومساويه لا يجوز، لأن هذا من الغيبة، وإذا كانت الغيبة محرمة في حق عموم الناس فإنها في حق الوالد أشد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني