الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فوائد غض البصر ينالها من يجد الشهوة ومن لا يجدها

السؤال

هل فوائد غض البصر تفيد من يغض بصره عن النساءعند إيجاد الشهوة فقط؟ أم تفيد أيضا من يغض بصره عن النساء ـ حتى وإن لم يكن يجد شهوة فى بعض الأحيان ـ عند نظره إلى النساء؟.
وأرجو الإقناع من سيادتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالواجب على المسلم غض بصره وعدم النظر إلى من لا تحل له من النساء ـ حتى وإن لم يجد شهوة عند النظرـ كما أمر تعالى في قوله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}. ولقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ. رواه البخاري ومسلم.

وغض البصر يفيد الجميع، من وجد شهوة عند النظر، ومن لم يجد، ودليل ذلك في الآية التي ذكرناها والتي فيها الأمر بغض البصر وفيها : ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ.

والآية فيها أمر للمؤمنين جميعا من يجد شهوة عند النظر ومن لا يجد شهوة، فعلق سبحانه زكاة نفس من غض بصره على مجرد غض البصر ولم يقيد تلك الزكاة بحال الشهوة.

وكذلك غض البصر هو امتثال لأمر الله سبحانه ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الفائدة متحققة لكل من غض بصره، إلا أن الذي يجاهد نفسه مع وجود الشهوة أعظم استفادة بفوائد غض البصر من الذي لا يجد شهوة، فكلما اشتدت دواعي المعصية وسهلت طرقها كانت مجاهدة النفس على تركها أفضل من الذي ضعفت عنده دواعي المعصية، وكانت الثمرة في حق من يجاهد نفسه أعمق وأبلغ، وهؤلاء من الذين أخلص الله قلوبهم وعمرها بتقواه.

روى الإمام أحمد في كتابه الزهد عن مجاهد قال: كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهى المعصية، ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهى المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها: أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ{الحجرات: من الآية3}.

وعن أبي سليمان الدارني في قوله تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً{الانسان:12}. قال: بما صبروا عن الشهوات. رواه أبونعيم في حلية الأولياء.

فوجود الشهوة ثم مجاهدة النفس على تركها من أعظم وأفضل أنواع الجهاد، ففي المسند للإمام أحمد وصححه الحاكم وابن حبان والألباني عن فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل.

وعن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الجهاد أفضل؟ قال: أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز و جل. رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني.

ووعد الله من جاهد فيه سبحانه بالهداية، فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{العنكبوت:69}.

وليست هذه الآية في جهاد الكفار فقط، بل هي في الجهاد العام في دين الله وطلب مرضاته، فسورة العنكبوت مكية ولم يكن الجهاد بمعنى القتال قد فرض.

قال الطاهر بن عاشورـ رحمه الله: وَهَذَا الْجِهَادُ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْفِتَنِ وَالْأَذَى وَمُدَافَعَةِ كَيْدِ الْعَدُوِّ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ أول السُّورَة: وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ. إِذْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ جِهَادُ الْقِتَالِ كَمَا عَلِمْتَ مِنْ قَبْلُ. انتهى.

وقال القرطبي: وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين، وعظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر.

ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 43691.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني