الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلة الرحم واجبة حتى لمن قطعها

السؤال

منذ ثلاث سنوات اشتكت لي أمي من أن أخواتي البنات ( اثنتين ) اتفقا عليها وقللوا أدبهم عليها فما كان مني إلا أن تدخلت واتصلت بهم ولم ينصاعوا حتى أنني قلت للصغيرة تذكري ما تفعله والدتك لأجلك - المهم تصالحوا أخواتي ووالدتي - وأصبحت أنا المخطئ وأشاعت الصغرى بأنني أخطأت فيها، وحينما أرادوا الصلح - والدي أحضرهم إلي في منزلي - أخطأوا بصورة مسيئة لي أمام زوجتي وأولادي ووالدي بالطبع، علما بأنني الكبير وفى رمضان قبل الماضي، وعلى إثر المشكلة لم يدعني والدي للإفطار معه كما العادة بالرغم من قيامه بدعوتهم ومع هذا اتصلت به لأدعوه على الإفطار فاشترط علي - والدي ووالدتي - ضرورة دعوة أخواتي البنات وإلا لن يحضروا فاضطرت أن أدعو أزواجهم- زوج الصغيرة رفض الرد على الهاتف وزوج الكبيرة رد وقبل الدعوة، وفى يوم الإفطار وقبل المغرب بربع ساعة لم يحضر أحد فاتصلت بوالدي لأعرف السبب - ووجدته قام بدعوتهم للإفطار معه في نفس اليوم - المهم حضر زوج الكبيرة بمفرده وبسؤاله أين زوجتك وأولادك أجاب أنهم قالوا له أن والدي دعاهم على الإفطار منذ الصباح فزادت المشاكل حتى أن ابن خالتي- سامحه الله - أشاع بأنني اشترطت على والدي لدخولي منزله ألا يدخل أخواتي البنات، فاتصلت بوالدي وأبلغته بما حدث فأجاب بالنفي فما كان مني إلا أن اتصلت بابن خالتي ووبخته بما قاله وعليه زادت المشاكل، علما بأنني أزور والدي كل أسبوع كعادتي حتى ألان.
أبلغتني والدتي بأن زوج الصغيرة أخطأ في حقهاها وقال لها بأن عائلتنا ليس بها رجل فزاد غضبى عليه - علمت بعد ذلك أنه قام بالاعتذار لوالدي وأخي دوني، قبل رمضان الحالي قمت بإجراء عملية جراحية لابني وحضرت والدتي ولم يحضر والدي، علما بأنه قام بشراء حاجيات لأختي التي تسكن خلفي مباشرة، وكان قريا من منزلي - لم يقم والدي بدعوتي وأبنائي للإفطار في هذا العام وقام بدعوة الآخرين.
والسؤال: هل أنا قاطع رحم علما بأنني أذهب لوالدي كعادتي ولم أذهب أو أكلم أخواتي البنات لأنني أصبت نتيجة لتلك الضغوط ببعض الأمراض وأهمها القلب وتم تركيب دعامة بالقلب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كنت مقاطعاً لأخواتك لمصلحة شرعية كما لو كان ذلك لوقوعهم في المعاصي والمنكرات وكان الهجر أصلح لهم، أو كان يلحقك بصلتهم ضرر في دينك أو دنياك فلا حرج عليك في ذلك، وعليك أن تصلهم في الحالة الثانية بما لا ضرر فيه كالاتصال بالهاتف ونحوه.

أما إذا كانت المقاطعة فوق ثلاثة أيام لحظ نفس وأمور الدنيا فأنت قاطع رحم و قطع الرحم من الكبائر، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.

فالواجب عليك أن تصل إخوتك، ولا يحملك ما بدر منهم أو من أزواجهن على القطيعة، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفهم الملّ : تطعمهم الرماد الحار.

واعلم أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان. قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34}.

كما أنّ العفو عن المسيء سبيل لنيل عفو الله ومغفرته ، وهو يزيد المسلم عزاً وكرامة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: .. وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا.

واعلم أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني