الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز لصاحب المال والعامل أن يتقاضى راتبا مع الربح

السؤال

أسسنا شركة تجارية أنا وصديق لي، أنا أساهم برأس المال وصديقي عليه بالعمل ثم نقتسم في آخر العام الفائدة مع العلم أنه يتقاضى راتبا شهريا من نفس الشركة.
والسؤال: هل يحق لي أن أتقاضى راتبا شهريا مثله من شركتنا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأصل أنه لا يجوز لصاحب المال ولا للعامل أن يتقاضى راتبا شهريا مع حصته من الربح.

قال ابن قدامة في المغني: مسألة قال: ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة, أو جعل مع نصيبه دراهم, مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم, بطلت الشركة، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي, والجواب فيما لو قال: لك نصف الربح إلا عشرة دراهم, أو نصف الربح وعشرة دراهم, كالجواب فيما إذا شرط دراهم مفردة. وإنما لم يصح ذلك لمعنيين; أحدهما: أنه إذا شرط دراهم معلومة, احتمل أن لا يربح غيرها, فيحصل على جميع الربح, واحتمل أن لا يربحها, فيأخذ من رأس المال جزءا. وقد يربح كثيرا, فيستضر من شرطت له الدراهم. والثاني: أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء, لما تعذر كونها معلومة بالقدر, فإذا جهلت الأجزاء, فسدت, كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به. ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة, ربما توانى في طلب الربح; لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره, بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح. انتهى.

وبخصوص صديقك فالأصل أنه لا يجوز له تقاضي راتب شهري إضافة إلى نسبة الربح المتفق عليها؛ لأن نسبة الربح في مقابل عمله، فأما إن قام بأعمال لا يلزمه القيام بها عادة فننظر هل قام به على وجه التبرع أم طلبا للأجرة؟ فإن فعله تبرعا لم يملك أن يطالب بالأجرة، أما إن فعله ليأخذ عليه أجرا، ففي ذلك خلاف بين العلماء.

قال ابن قدامة في المغني: وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه; من نشر الثوب, وطيه, وعرضه على المشتري, ومساومته, وعقد البيع معه, وأخذ الثمن, وانتقاده, وشد الكيس, وختمه, وإحرازه في الصندوق, ونحو ذلك، ولا أجر له عليه; لأنه مستحق للربح في مقابلته. فإن استأجر من يفعل ذلك, فالأجر عليه خاصة; لأن العمل عليه. فأما ما لا يليه العامل في العادة; مثل النداء على المتاع, ونقله إلى الخان, فليس على العامل عمله, وله أن يكتري من يعمله. نص عليه أحمد؛ لأن العمل في المضاربة غير مشروط, لمشقة اشتراطه, فرجع فيه إلى العرف. فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا, فلا أجر له. وإن فعله ليأخذ عليه أجرا, فلا شيء له أيضا, في المنصوص عن أحمد. وخرج أصحابنا وجها: إن له الأجر, بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه, هل له أجر لذلك؟ على روايتين. وهذا مثله. والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين; لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شيء, فلم يستحق شيئا, كالأجنبي. انتهى.

وبهذا يتيين لك أن اشتراطك راتبا شهريا معلوما زائدا على حصتك من الربح لا يجوز، كما لا يجوز ذلك للعامل أيضا، ولمعرفة كيفية تصحيح المعاملة راجع الفتوى رقم: 58979.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني