الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل عقوبة شرب المخدرات تعزير أم حد؟

السؤال

لماذا كانت عقوبة المخدرات تعزيرية ولم تكن كشرب الخمر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ننبه على أمرين:

الأول: أن المخدرات لم تكن في العصر النبوي ولا ما بعده من عصور الأئمة المتبَعين، وإنما عرفت في بلاد الإسلام في أواخر القرن السادس الهجري.

الثاني: أن هناك فرقا بين المسكر وبين المرقد والمفتر والمفسد.

قال الحطاب: فائدة تنفع الفقيه يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد.

فالمسكر: ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح.

والمفسد: ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح، كعسل البلادر. والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالسكَران. انتهى.

وقال القرافي في الفروق: المتناول لما يغيب العقل، إما أن يغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم تغب معه الحواس، فإما أن تحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له فهو المسكر، وإما أن لا يحدث معه ذلك فهو المفسد. فالمرقد ما يغيب العقل والحواس. والمفسد: ما يغيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح. انتهـى.

وقد اختلف أهل العلم في المخدرات، من أي الأنواع الثلاثة هي، وبالتالي هل يجب فيها حد الخمر؟ أم يجب فيها التعزير؟.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى عن الحشيشة: أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حيث ظهرت دولة التتر. ومن الناس من يقول: إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك، بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر، فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر، ولهذا قال الفقهاء: إنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر. انتهـى.

وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية هو الراجح ـ إن شاء الله.

وقد أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، بحثا بعنوان: نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات، نشر في مجلة البحوث الإسلامية ومن مسائله: مسألة الفرق بين حقيقة كل من الخمر والمخدر والمفتر. ومسألة علاقات المخدرات بالخمر.

ومما جاء فيه: الصلة بين المخدرات وبين الخمر قوية، إذ لا أقل من أنها تحقق قيام الوصف المقتضي للتحريم بها قياسا واضحا جليا، ولهذا حكم ابن تيمية وغيره بأن للحشيش من المخدرات أحكام المسكرات الأساسية المتخذة من عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وهذه الأحكام ثلاثة: التحريم، والنجاسة، والحد على متعاطيها، وذلك، لأنه عندهم مسكر كالخمر، ومن تتمة النظر في هذا أن نضيف أن بعض الفقهاء لم يكتف في بعض هذه المخدرات باعتباره مسكرا، بل سماه خمرا، منهم شيخ الإسلام الفقيه المحقق الإمام أحمد ابن تيمية ـ وكانت فيه غيرة دينية عجيبة وسعة أفق ـ كما سترى في رأيه الفقهي مع أراء الفقهاء من مختلف المذاهب، وكذلك الحافظ الذهبي.

كما جاء في كتاب الزواجر: والفقه الحنبلي هو أقوم ما عرفناه كتابة في هذا الموضوع، وبيان الحكم الشرعي فيه بقوة وخصوبة واستيعاب الأدلة، يتمثل ذلك في كتابة شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان في نقول بعض الشافعية نقل عن الغزالي يفيد وجوب التعزير دون الحد على آكل الحشيشة انتهـى.

وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 17651 ، 120228.

وبهذا يتبين أن الراجح في عقوبة تعاطي المخدرات أنها كعقوبة شارب الخمر، وإن كان قول الأكثر أنها ليست كالخمر، فلأنها عندهم ليست مسكرة، بل مرقدة أو مفترة أو مفسدة.

وقد سبق لنا بيان الفرق بين الحد والتعزير، في الفتوى رقم: 95693 وبيان هل عقوبة شرب الخمر تعد من باب الحد؟ أم التعزير؟ في الفتوى رقم: 113912.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني