الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطلاق على خمسة أضراب

السؤال

نريد معرفة أصل القول "ان أبغض الحلال إلى الله الطلاق"وهل هوقول صحيح؟ وهل يوجد ما يحمل نفس هذا المعنى في القرآن أو الأحاديث الصحيحة؟ وشكرا جزيلا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول الذي سألت عنه وهو (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) رواه أبو داود وابن ماجه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الحاكم في المستدرك بلفظ: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ» ثم قال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" وصححه السيوطي، ولكن قد ضعفه بعض أهل العلم.

وليس في القرآن ولا في صحيح السنة هذا المعنى بالتحديد، لكن فيهما الكثير من النصوص التي تحث على دوام الألفة بين الزوجين وحسن عشرة كل منهما للآخر، وترشد إلى الصلح وتحكيم المصلحة إن حصل شقاق أو حصام بينهما.

وقد نص جماعة من أهل العلم على أن الطلاق تعتريه الأحكام الخمسة، وقد فصل ذلك ابن قدامة في الكافي وغيره فقال: وهو على ‌خمسة أضرب:
واجب، هو: طلاق المؤلي بعد التربص إذا أبى الفيئة، وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه.
ومكروه، وهو: ‌الطلاق من غير حاجة، لما روى محارب بن دثار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أبغض الحلال إلى الله ‌الطلاق» رواه أبو داود. وعنه: أنه محرم؛ لأنه يضر بنفسه وزوجته. وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار» .
ومباح، وهو: عند الحاجة إليه، لضرر بالمقام على النكاح، فيباح له دفع الضرر عن نفسه.
ومستحب، وهو: عند تضرر المرأة بالنكاح، إما لبغضه، أو غيره، فيستحب إزالة الضرر عنها. وعند كونها مفرطة في حقوق الله الواجبة عليها، كالصلاة ونحوه. وعجزه عن إجبارها عليه، أو كونها غير عفيفة؛ لأن في إمساكها نقصا ودناءة، وربما أفسدت فراشه، وألحقت به ولدا من غيره. وعنه: أن ‌الطلاق هاهنا واجب. قال في مسألة إسماعيل بن سعيد: هل يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من جنابة، ولا تتعلم القرآن؟ أخشى أن لا يجوز المقام معها. وقال: لا ينبغي له إمساك غير العفيفة.
ومحظور، وهو: طلاق المدخول بها في حيضها، أو في طهر أصابها فيه، ويسمى: طلاق البدعة، لمخالفته أمر الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . وروى «ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق بها النساء» متفق عليه. ولأن طلاق الحائض يضر بها، لتطويل عدتها. والمصابة ترتاب فلا تدري أذات حمل هي فتعتد بوضعه؟ أم حائل فتعتد بالقرء؟ ويحتمل أن يتبين حملها فيندم على فراقها مع ولدها. فأما غير المدخول بها، فلا يحرم طلاقها؛ لأنها لا عدة عليها تطول. والصغيرة التي لا تحمل، والآيسة، لا يحرم طلاقهما؛ لأنه لا ريبة لهما، ولا ولد يندم على فراقه. وكذلك الحامل التي استبان حملها لا يحرم طلاقها، لما روى سالم عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا» أخرجه مسلم. ولأنه لا ريبة لها، ولا يتجدد لها أمر يتجدد به الندم؛ لأنه على بصيرة من حملها. انتهى.
والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني