الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

براعة الإمام أبي حنيفة في الاستحسان

السؤال

أنا طالبة علم وتواجهني عبارات لا أفهمها العبارة هي (نجد أبا حنيفة يسير في القياس والاستحسان على منهاج بين (هذا فهمته)، حتى لقد يقول عنه تلميذه محمد بن الحسن الشيباني كان أصحابه ينازعونه في القياس فإذا قال أستحسن لم يلحق به أحد. (من كتاب أصول الفقه للإمام محمد أبو زهرة). هل معنى هذه العبارة أن أصحابه يختلفون معه في القياس فإذا اتبع منهج الاستحسان لم يتبعوه في ذلك ويخالفوه إلى منهج آخر؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمراد بهذا العبارة أن أصحاب أبي حنيفة كانوا يجارونه في استعمال القياس كدليل شرعي، ويحسنون ذلك. أما إذا كان استدلال الإمام أبي حنيفة بدليل الاستحسان فإنهم ينقطعون ولا يستطيعون مجاراته في ذلك.

قال الدكتور بشير بن مولود في كتابه (الاجتهاد التنزيلي) وهو الكتاب الثالث والتسعون من سلسلة كتاب الأمة، التي يصدرها مركز البحوث والدراسات، في وزارة الأوقاف بقطر قال: لقد اشتهر اعتبار الاستحسان والأخذ به عند الحنفية، وعدوه دليلاً شرعياً في مقابلة القياس، حتى اشتهرت عنهم عبارة الحكم في هذه المسألة كذا، واستحساناً كذا. وقد كان الإمام أبو حنيفة بارعاً في الاستحسان مما جعل تلميذه محمد بن الحسن يقول عنه: إن أصحابه كانوا ينازعونه المقاييس، فإذا قال: استحسن لم يلحق به أحد. انتهى.

وذلك أن الاستحسان هو ترك دلالة القياس لدليل أقوى، وقد عقد الإمام السرخسي الحنفي في أصوله فصلاً في بيان القياس والاستحسان بعدما عقد باباً للقياس، قال فيه: الاستحسان في لسان الفقهاء نوعان: العمل بالاجتهاد وغالب الرأي في تقدير ما جعله الشرع موكولا إلى آرائنا، نحو المتعة المذكورة في قوله تعالى: مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ... والنوع الآخر هو الدليل الذي يكون معارضاً للقياس الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل إنعام التأمل فيه، وبعد إنعام التأمل في حكم الحادثة وأشباهها من الأصول يظهر أن الدليل الذي عارضه فوقه في القوة، فإن العمل به هو الواجب فسموا ذلك استحساناً للتمييز بين هذا النوع من الدليل وبين الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل التأمل، على معنى أنه يمال بالحكم عن ذلك الظاهر لكونه مستحسنا لقوة دليله. انتهى.

وعقد في باب الترجيح فصلا لما يقع به الترجيح، قال فيه: ما ينتهي إليه ما يقع به الترجيح في الحاصل أربعة: أحدها قوة الأثر، والثاني قوة الثبات على الحكم المشهود به. والثالث كثرة الأصول. والرابع عدم الحكم عند عدم العلة، أما الوجه الأول فلأن المعنى الذي به صار الوصف حجة الأثر، فمهما كان الأثر أقوى كان الاحتجاج به أولى. لصفة الوكادة فيما به صار حجة، فذلك نحو دليل الاستحسان مع القياس.. انتهى.

وقد سبق لنا بيان المراد بالقياس والاستحسان في الفتوى رقم: 6168، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 62425، 103869.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني