الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التورع عن الفتيا وحكم الفتوى بالتقليد

السؤال

أعرف فتاوى لبعض العلماء في المسائل الخلافية كقراءة الفاتحة للمأموم, والجمع للمسافر النازل وغيرها، وأنا مقلد لبعض العلماء، وأحيانا أعمل بما يطمئن إليه قلبي، ولكن إذا سئلت ولم أجب مع أنني أعمل بقول ما، ولكن أعلم أن المسألة خلافية ولا أدري ما الصواب، ولا أعرف جميع الأقوال، فهل في هذا كتمان للعلم؟.
وأنا أحب العافية مما اختلف فيه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فشكر الله لك ورعك هذا، فإن التورع عن الفتيا كان من شأن السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ والآثار عنهم بذلك كثيرة جدا، وما ذاك إلا لخطورة شأن الفتوى، فإن المفتي موقع عن الله تعالى، ولكننا ننصحك بأن تجتهد في طلب العلم ومعرفة الأدلة لتفتي الناس وتعلمهم وتكون على بصيرة في ذلك، فإن معلم الناس الخير يصلي عليه أهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في بحره ـ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ـ ثم إن كنت مقلدا في هذه الفتاوى لمن يوثق بقوله من أهل العلم، فلا حرج عليك في أن تفتي بهذا القول مع نسبته لمن أفتى به ولا تكون عليك في ذلك تبعة، وقد يكون إفتاؤك بالتقليد أولى إذا علمت أن المستفتي سيتبع هواه أو يستفتي من لا علم عنده ـ إذا لم تفته أنت بقول من يوثق بعلمه ودينه من أهل العلم ـ وقد ناقش العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين مسألة الفتوى بالتقليد وذكر الأقوال فيها فقال ـ رحمه الله: أحدها: أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد، لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم، وهذا قول أكثر الأصحاب وقول جمهور الشافعية.

والثاني: أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه، فيجوز له أن يقلد غيره من العلماء إذا كانت الفتوى لنفسه، ولا يجوز أن يقلد العالم فيما يفتي به غيره، وهذا قول ابن بطة وغيره من أصحابنا، قال القاضي: ذكر ابن بطة في مكاتباته إلى البرمكي: لا يجوز له أن يفتي بما سمع من يفتي، وإنما يجوز أن يقلد لنفسه، فأما أن يتقلد لغيره ويفتي به فلا.

والقول الثالث: أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد، وهو أصح الأقوال، وعليه العمل.

قال القاضي: ذكر أبو حفص في تعاليقه قال: سمعت أبا علي ـ الحسن بن عبد الله النجاد ـ يقول: سمعت أبا الحسين بن بشران يقول: ما أعيب على رجل يحفظ عن أحمد خمس مسائل استند إلى بعض سواري المسجد يفتي بها.

انتهى.

وقال في حكم استفتاء المقلد ـ بعد ما ذكر الأقوال فيه: والصواب فيه التفصيل وهو أنه إن كان السائل يمكنه التوصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا ولا يحل لهذا أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم، وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره بحيث لا يجد المستفتي من يسأله سواه، فلا ريب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بلا علم أو يبقى مرتبكا في حيرته مترددا في عماه وجهالته، بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها.
ونظير هذه المسالة إذا لم يجد السلطان من يوليه إلا قاضيا عاريا من شروط القضاء لم يعطل البلد عن قاض وولي الأمثل فالأمثل،
إلى أن قال ـ رحمه الله: وكلام أصحاب أحمد في ذلك يخرج على وجهين، فقد منع كثير منهم الفتوى والحكم بالتقليد وجوزه بعضهم، لكن على وجه الحكاية، لقول المجتهد، كما قال أبو إسحاق بن شاقلا وقد جلس في جامع المنصور فذكر قول أحمد أن المفتي ينبغي له أن يحفظ أربعمائة ألف حديث ثم يفتي، فقال له رجل أنت تحفظ هذا؟ فقال إن لم أحفظ هذا فأنا أفتي بقول من كان يحفظها.

انتهى.

وبما تقدم تعلم حكم مسألتك وأنه إن وجد ببلدك أو ناحيتك من هو أعلم منك ممن يتبع الدليل من الكتاب والسنة فأحل المستفتي عليه ولا تفت أنت، لعدم وجود الحاجة، وإن لم يوجد من يفتي على هذه الصفة فأفت أنت بقول من يوثق به من العلماء ولك الأجر على ذلك ـ إن شاء الله ـ ولا تمتنع من الفتوى في هذه الحال، فإن الله تعالى أمر بتقواه بحسب الاستطاعة، فإذا كان هذا هو المستطاع في حقك وحق السائل فقد فعلتما ما أمرتما به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني