الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التعويض عن كسر الساق وحكم التنازل عن القضية مقابل مال

السؤال

كنت راكبا موتوسيكلا أنا وزميل لي في الدراسة، وكان هناك تاكسي يمشي في طريق مخالف وقام بصدمنا أنا وزميلي مما أدى إلى حدوث كسر في رجلي، وزميلي حدث له نزيف داخلي في رجله وكان سائق التاكسي نصرانيا وبعد صدمنا قام بالهروب لولا الشهود الذين استوقفوه، وتم عمل محضر له وعند ما أحيل على النيابة قام المحامى الخاص به بقول أقوال زور ليثبت خطأنا نحن ولكن المحكمة حكمت لكل منا أنا وزميلي بمبلغ 5000جنيه تعويضا عن الحادث، وحكمت بسنة سجن على السائق. فهل هذه الأموال التي حكمت بها المحكمة حلال أم حرام؟ ويريد السائق دفع مبلغ 10000 جنيه لكل منا ونتنازل عن القضية حتى لا يتم حبسه فهل أقبل بهذا العرض أم لا؟ وهل هو حلال أم حرام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمبلغ الذي قدرته المحكمة عوضا عما سببه السائق لكما من أذى هو ما يعرف عند الفقهاء بحكومة العدل.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: حكومة العدل تطلق عند الفقهاء على الواجب الذي يقدره عدل في جناية ليس فيها تقدير من الشرع.

وقد نص الفقهاء على وجوب حكومة العدل في كل جناية لم يرد في الشرع تقدير محدد لها.

جاء في الموسوعة الفهقية الكويتية: الأصل في الجناية الواردة على محل معصوم اعتبارها بإيجاب الجابر أو الزاجر ما أمكن. قال الزيلعي عند الاستدلال على وجوب حكومة العدل في الجنايات التي ليس فيها مقدار معين من المال: لأن هذه الجنايات ليس فيها أرش مقدر من جهة الشرع ولا يمكن إهدارها فتجب فيها حكومة العدل وهو مأثور عن إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز.

وعليه، فلا حرج عليكما في قبول التعويض المقرر من المحكمة.

وأما تنازلكما عن القضية فإنما هو تنازل عن حقكما الشخصي في الدعوى مقابل مبلغ من المال ولا حرج في ذلك لأن الأمر فيه راجع إليكما لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.

أما بخصوص سجن السائق فالأمر فيه راجع إلى المحكمة وليس إليكما، حيث إن المقصود به هو الردع فهو تعزير يقصد به حماية المجتمع من رعونة السائقين فيكون حقا لعموم المجتمع.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ينقسم التعزير إلى ما هو حق لله وما هو حق للعبد، والمراد بالأول غالبا: ما تعلق به نفع العامة وما يندفع به ضرر عام عن الناس من غير اختصاص بأحد. والتعزير هنا من حق الله لأن إخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع، وفيه دفع للضرر عن الأمة وتحقيق نفع عام. ويراد بالثاني ما تعلقت به مصلحة خاصة لأحد الأفراد. وقد يكون التعزير خالص حق الله. وقد يكون لحق الله وللفرد مع غلبة حق الله. وقد تكون الغلبة لحق الفرد. وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي التعزير في أمور: منها: أن التعزير الواجب حقا للفرد أو الغالب فيه حقه وهو يتوقف على الدعوى إذا طلبه صاحب الحق فيه لزمت إجابته، ولا يجوز للقاضي فيه الإسقاط ولا يجوز فيه العفو أو الشفاعة من ولي الأمر، أما التعزير الذي يجب حقا لله فإن العفو فيه من ولي الأمر جائز وكذلك الشفاعة إن كانت في ذلك مصلحة أو حصل انزجار الجاني بدونه. اهـ مع الحذف.

وحيث تقرر أن سجن السائق إنما هو حق لعموم المجتمع وليس خالصا لكما فلا تملكان إسقاطه فضلا عن أخذ العوض على ذلك، وإنما يجوز لكما التنازل عن حقكما الشخصي فقط ويترك الأمر للمحكمة في تعزير السائق بالسجن أو بغيره أو العفو عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني