الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إيقاع الطلاق ممن يجهل ألفاظه وأحكامه

السؤال

إنسان مسلم يجهل أحكام الطلاق وألفاظه، فهل يقع طلاقه؟ وهل لها علاقة بالآية الكريمة: كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان الشخص المذكور يجهل ألفاظ الطلاق وأحكامه ـ بمعني أنه لا يعرف معناها ـ فلا يلزمه شيء، لعدم قصد إيقاع الطلاق، لأنه ليس مختارا للطلاق، قال ابن قدامة في المغني: فإن قال الأعجمي لامرأته: أنت طالق ولا يفهم معناه لم تطلق، لأنه ليس بمختار للطلاق فلم يقع طلاقه كالمكره. انتهى.

وفي قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام متحدثا عن هذا الموضوع: وإن قصد العربي بنطق شيء من هذه الكلم مع معرفته بمعانيها نفذ ذلك منه، فإن كان لا يعرف معانيها مثل أن قال العربي لزوجته أنت طالق للسنة، أو للبدعة وهي حامل، بمعنى اللفظين، أو نطق بلفظ الخلع أو غيره أو الرجعة أو النكاح أوالإعتاق وهو لا يعرف معناه مع كونه عربيا، فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك إذ لا شعور له بمدلوله حتى يقصد إلى اللفظ الدال عليه، وكثيرا ما يخالع الجهال من الذين لا يعرفون مدلول اللفظ للخلع ويحكمون بصحته للجهل بهذه القاعدة. انتهى.

وقال الخرشي في شرحه لمختصر خليل المالكي: يعني أن من لُقن لفظ الطلاق بالعجمية أو بالعكس فأوقعه وهولا يعرف معناه، فإنه لا يلزمه شيء ـ لا في الفتوى ولا في القضاء ـ لعدم القصد الذي هو ركن في الطلاق فإن فهم، فإنه يلزمه اتفاقا. انتهى.

أما إن كان يعرف مدلول الطلاق ومعناه، لكنه يجهل تفاصيل أحكامه وألفاظه فيقع طلاقه ولا يعتبر هذا الجهل عذرا في حقه، قال سليمان الجمل الشافعي في فتوحات الوهاب: قوله: مشتق طلاق إلخ ـ أي، وإن جهل صراحة ما اشتق من الفراق والسراح، لأن الجهل بذلك لا يؤثر، وإن كان ممن يخفى عليه ذلك فلو جهل معناه لم يقع به شيء ـ كما سيأتي في قول المتن ولا يقع ممن جهل معناه، وإن نواه. هـ. وراجع الفتوى رقم: 55975.

أما الآية الكريمة المذكورة: فلا علاقة لها بما ذكرت، لأنها تبين سعة رحمة الله تعالى ولطفه بعباده، فمن ارتكب معصية عن خطإ أو عمد، فإن الله يتوب عليه ويغفر له ذنبه إذا تاب توبة صادقة، قال الطبري في تفسيره: ومعنى قوله: إنه من عمل منكم سوءاً بجهالة: إنه من اقترف منكم ذنباً فجهل باقترافه إياه، ثم تاب وأصلح، فإنه غفور، لذنبه إذا تاب وأناب، وراجع العمل بطاعة الله، وترك العود إلى مثله، مع الندم على ما فرط منه، رحيم، بالتائب أن يعاقبه على ذنبه بعد توبته منه. انتهى.

وفى تفسير القرطبي: قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.أي أوجب ذلك بخبره الصدق، ووعده الحق، فخوطب العباد على ما يعرفونه من أنه من كتب شيئا فقد أوجبه على نفسه. وقيل: كتب ذلك في اللوح المحفوظ: أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ. أي خطيئة من غير قصد.

قال مجاهد: لا يعلم حلالا من حرام، ومن جهالته ركب الأمر، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني