الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة حول طهارة المني ووجوب الغسل منه دون البول

السؤال

ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين.
أرجو من فضلكم أن تبينوا لي: كيف يكون المني طاهرا وقد أوجب علينا الغسل منه؟ فحتى البول وجب علينا الاحتراز منه ـ فقط ـ وليس الغسل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق أن بينا أن الفقهاء تعددت أقوالهم في المني، فمنهم من قال بطهارته، ومنهم من قال بنجاسته، وأن كلا القولين له دليل، وقد قال به علماء أجلاء، وإن كنا نفتي في هذا الموقع بالقول بطهارته، كما فصلناه في الفتوى رقم:63403.

وأما قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ {السجدة: 8}.

وكذا قوله تعالى: أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ {المرسلات: 20}.

فليس معنى مهين: نجس, فالمهين لغة يطلق ويراد به: الضعيف الذي لا يأبه به, ولذا قال ابن جرير في تفسير ـ مهين ـ في هذه الآية: من نطفة ضعيفة رقيقة.

ومهين: فعيل من قول القائل: مهن فلان، وذلك إذا زلّ وضعف. هـ.

وذكر ذلك عن مجاهد وغيره.

وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ }.

قال: أي ضعيف حقير بالنسبة إلى قُدرَة البارئ عز وجل. هـ.

وقال ابن منظور في لسان العرب: ورجل مَهِينٌ من قوم مُهَناء أَي ضعيف.

وقوله عز وجل: خُلِقَ من ماءٍ مَهينٍ ـ أَي من ماء قليل ضعيف، وفي التنزيل العزيز: أَم أَنا خَيْرٌ من هذا الذي هو مَهِينٌ. هـ.

فالحاصل: أن مهين لا تعني نجسا.

وأما الاستدلال على نجاسته بوجوب الغسل منه: فهذا استدلال لا يصح, ولو كان الغسل واجبا لكون المني نجسا لوجب الغسل ـ أيضا ـ من خروج البول والمذي وسائر النجاسات, قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان الحكمة من الأمر بالغسل من خروج المني دون البول ونحوه من النجاسات: الغسل من المني دون البول: إيجاب الشارع صلى الله عليه وسلم الغسل من المني دون البول، فهذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة، فإن المني يخرج من جميع البدن، ولهذا سماه الله سبحانه وتعالى ـ سُلالَةٍ ـ لأنه يسيل من جميع البدن.

وأما البول: فإنما هو فضلة الطعام والشراب المستحيلة في المعدة والمثانة فتأثر البدن بخروج المنى أعظم من تأثره بخروج البول، وأيضا فإن الاغتسال من خروج المنى من أنفع شيء للبدن والقلب والروح ـ بل جميع الأرواح القائمة بالبدن ـ فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يعرف بالحس، وأيضا فإن الجنابة توجب ثقلا وكسلا، والغسل يحدث له نشاطا وخفة.

وقد صرح أفاضل الأطباء بأن الاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته ويخلف عليه ما تحلل منه وإنه من أنفع شيء للبدن والروح وتركه مضر، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحسنه، وبالله التوفيق. هـ.

مختصرا من إعلام الموقعين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني