الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود العلاقة بين الأخ وزوجة أخيه وأولاده منها

السؤال

والدي متوفى وأمي وأختي البالغة وولدا إخوتي القصر بالبيت، وعمي ـ المتزوج وفي الثلاثينات من العمرـ اعتاد في حياة والدي الدخول علينا في غرف النوم والجلوس والمزاح معنا، وبعد الوفاة استمر على ذلك، وقد يختلي بأختي ويغلقون الباب عليهما لفترات ـ تطول أو تقصر ـ وأحيانا ندخل فنجده نائما على سريرها، وقد لفت نظره إلى خطإ هذا الاختلاط في البيت مني ومن أمي وبأن والدتي أرملة وغرف النوم في آخر الدار ومراعاة لحرمة البيت، فلم يستجب، مع العلم أن عمي تتجاوز أحيانا تصرفاته ـ لفظاً وفعلاً ـ المزاح العادي وأحيانا يبيت في منزل والدي ويقول أنا مع ابن أخي، وعندما نتكلم نتهم بأننا لا نريده أن يدخل البيت وأن هذا من حقه وعندما طلبت والدتي من أختي أن تقابل عمي في الصالة أو أن تترك باب غرفة النوم مفتوحا أثناء تواجد عمي معها رفضت وكان رد فعلها هي وعمي ـ أنه محرم ـ وأن هذا اتهام لهما بالرذيلة، وهذا لا يجوز، وما أريده توضيح الرأي الأحوط والأصوب في هذه الحالة، حيث إن أختي تريد أدلة شرعية على ما نقول، لتلتزم بها، وإلا فلا عبرة لكلام والدتي، وحسب قول أختي فهي حرة تفعل ما تشاء، وليس لأحد أن ينصحها.
وعليه أرجو توضيح التالي:
ـ ما هي حرمة منزل الأخ المتوفى على أخيه؟.
ـ هل يجوز للعم دخول منزل أخيه المتوفى والتجول فيه ـ بما في ذلك غرف نوم بنات أخيه مع وجود أرملة أخيه والتي قد تكون على حريتها في الكلام واللبس والابن قاصر وكثيرا ما يكون غير موجود؟.
ـ ما هو الأحوط والأصـوب للتعامل مع المحارم، خاصة في حالتنا هذه؟.
ـ بماذا تنصحون والدتي وأختي وعمي؟.
ـ أحقية والدتي في منع عمي أو أخي من الخلوة بأختي وإغلاق الباب إن أرادت ذلك؟ وماذا يجب علي أختي حيال ذلك؟.
ـ أرجو دعم الأدلة الشرعية ليستمعوا ويذعنوا للرؤية الشرعية.
أرجو الإجابة مفصلة وبأسرع وقت ممكن .
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن العم من محارم المرأة وقد أباح الشرع له السفر معها والخلوة بها والدخول عليها، لكن ذلك كله مشروط بأمن الفتنة، فإذا ما خشيت فتنة أو حصلت ريبة، فإنه ـ حينئذ ـ يعامل معاملة الأجنبي درءا للمفسدة وسدا للذريعة وبناء على ذلك، فإن كان عمك هذا يحصل منه تجاوز غير مشروع في كلامه أو تصرفاته بما يضعه في حيز الريبة والاتهام فهنا لا تجوز له الخلوة مع ابنة أخيه ولا غيرها من محارمه.

أما عن حرمة منزل أخيه: فإن كل بيت من البيوت له حرمته ولا يجوز لأحد ـ قريب أو غريب ـ دخوله إلا بعد إذن أهله، ولا يجوز التجول في خصوصياته إلا برضاهم وإذنهم، وقد أوجب الله الاستئذان عند دخول بيوت الغير، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {النــور:27}.

وعن عطاء بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال يا رسول الله: أستأذن على أمي؟ فقال نعم، فقال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، فقال الرجل: إني خادمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ قال لا، قال فاستأذن عليها.

رواه الإمام مالك في موطإه مرسلا ومن طريقه البيهقي.

قال ابن عبد البر ـ رحمه الله: وهو مرسل صحيح مجتمع على صحة معناه.

فعلى العم أن يلتزم بأدب الاستئذان مع الجميع ويخص أمكم بمزيد تأكيد في ذلك، فإنها ليست من محارمه وواجب عليها أن تحتجب عنه، ولا يجوز له أن يختلي بها ـ مطلقا ـ ولا أن يطلع عليها إلا وهي في كامل لباسها الشرعي.

وقد جاء تحذيره صلى الله عليه وسلم من أقارب الزوج على وجه الخصوص، وذلك في وقوله: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله: أرأيت الحمو؟ قال الحمو: الموت.

متفق عليه.

قال النووي: المراد في الحديث: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه، فيخلو الأخ بامرأة أخيه، فشبهه بالموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي.

انتهى.

والأطفال الصغار لا تنتفي بهم الخلوة، قال النووي ـ رحمه الله: وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما: فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحيي منه لصغره ـ كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك ـ فإن وجوده كالعدم.

انتهى كلامه.

والذي ننصح به العم: أن يتقي الله وأن ينأى بنفسه عن مواطن الشبه والتهم ولا يعرض نفسه وعرضه للقيل والقال وإساءة الظنون به، فإن هذا لا يجوز وهو من ظلم النفس، وننصح الأخت بأن تستجيب لأمها وتطيعها فيما تطلبه منها من عدم الخلوة بعمها، فإن طاعة الأم في المعروف واجبة بلا خلاف، ولا شك أن ما تطلبه الأم من ابنتها هنا هو من المعروف، لما يتضمنه من زيادة الصيانة وسد مداخل الشيطان وأبواب الشر فوجب على ابنتها طاعتها حتى وإن لم تكن هناك ريبة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد.

انتهى.

وقال الحافظ ابن الصلاح: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات.

انتهى.

وقد بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 3222، 55893، 599، بعض الأحكام في تعامل المرأة مع محارمها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني