الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صاحبه يصر على البدعة فهل يهجره

السؤال

لدي أخ في الله (ونحن طالبا علم) وهذا الأخ يفعل بعض البدع الصغيرة كتخصيص دعاء معين لم يرد في السنة يردده في وقت معين، ولتوضيح الأمر أضرب مثالاً: هذا الأخ إمام جامع وبعد إقامة الصلاة يدعو فيقول اللهم أحسن وقوفنا بين يديك... ويكرر هذا الدعاء كثيراً، وقد نصحت له مراراً وأتيته بالأدلة وأقوال العلماء على عدم جواز هذا التخصيص، وأعتقد أني وضحت له الأمر إيضاحا كبيراً.. فهل فعله لمثل هذه البدع وإصراره عليها يوجب علي هجره في الله أم لا؟ علما بأنه لا يفعل بدعا كبيرة تدخل في نطاق البدع المكفرة أو غيرها، بل كل بدعه محصورة في هذا النطاق؟ جزاكم الله خيراً وعذراً للإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان هذا الشخص يفعل ذلك على وجه التعبد به واعتقاد كونه سنة فإنه يكون مبتدعاً، حيث لم يرد في السنة دعاء مسنون قبل التكبير للصلاة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 43753، والفتوى رقم: 49319.

أما إذا كان يفعل ذلك على غير الوجه المذكور فلا نستطيع الحكم عليه بالابتداع لمجرد فعله ذلك، وعليه فلا وجه لهجرانه أصلاً، وإنما ينبغي أن يُعلم السنة في مسائل الصلاة والإمامة وغيرها، ثم إن هجر المبتدع يتوقف حكمه على المصلحة المرجوة من وراء هجره، فإن كان الهجر مفيداً ورادعاً له فهو أفضل، وأما إن كان ذلك لا يزيده إلا إصراراً على بدعته ونفوراً وبعداً عن أهل الحق والسنة فعدم الهجر أفضل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر. والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكان المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح. مجموع الفتاوى.

وقال أيضاً: وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف باختلاف الأحوال من قلة البدعة وكثرتها وظهور السنة وخفائها.. منهاج السنة النبوية. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 24369، والفتوى رقم: 19998.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني