الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يؤدي الأمانة إن خشي ألا تصل لأصحابها

السؤال

إخواني أرشدوني بفتوى تريح ضميري. منذ 5 سنوات و 21 يوما أجريت لي عملية جراحية بالحنجرة، ولم أتكلم بعدها حتى هذه اللحظة التي أسطر فيها هذا السؤال. عدة أطباء ببلدي زهاء 15، وانتقلت حتى فرنسا زهاء 6 أطباء، الكل مجمع على سلامة الحبال الصوتية، والمشكل أزمة شديدة جراء العملية التي تمت بصورة عنيفة بدون تحضير ولا تخذير، أنا أزاول التأهيل الصوتي مع مختص، وكذا التأهيل النفسي مع مختص. السؤال: تحصلت على مساعدات مالية لأتمكن من السفر إلى فرنسا للعلاج الأولى من البلدية، الثانية من الإخوة والمحسنين، ونظرا لعدم تجديد العملية بعد التشخيص بفرنسا عوض لي المستشفى تكاليف العلاج كما أن البلدية تأخرت في تسديد الإعانة بالحساب البنكي بيومين بعد المغادرة، وبهذا فالمبلغ في حسابي. هل أنا مطالب بتعويض الذين ساعدوني عند عودتي إن شاء الله تعالى. وبالنسبة للبلدية عندي يقين أني لو عوضتها المبلغ فسيؤول إلى جيوب المسؤولين دون نقاش، ولا يدخل في خزينة البلدية، فهل بإمكاني إستثمار المال دون إبلاغ أصحابه إلى حين توفير المبالغ وأعيدها لأصحابها، علما بأن البلدية فصلتني عن عملي بحكم أن غيبتي زادت عن السنة بدون وثائق هذه حجتهم رغم أني وافيتهم بجميع الوثائق التي تثبت أني أزاول العلاج منذ وصولي فرنسا.
أرجو أن تجيبوني بإسهاب كما أنني أفكر أنني أقوم بتعويض مال البلدية لفائدة فقيرين إما تزويجهما أو مساعدة فقير معوز في توفير كسب يقتات به. فهل الفكرة صائبة جزاكم الله تعالى خيرا، أيدكم الله وسددكم سأبقى شغوفا للجواب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأصل هو وجوب الالتزام بشرط الواهب أو الجهة المانحة، فإن كان السائل قد دفعت له هذه الأموال على سبيل الصدقة، فإنه يمتلكها ولا يلزمه رد ما تبقى بعد تكاليف العلاج. وأما إن كان بذلهم له إنما كان بقصد العلاج فحسب، فيجب أن يرد عليهم ما تبقى. وقد ذكر أهل العلم لذلك أشباها ونظائر، ومن ذلك ما قاله خليل في مختصره عن المكاتب: وإن أعانه جماعة، فإن لم يقصدوا الصدقة: رجعوا بالفضلة. اهـ. قال عليش في منح الجليل: المكاتب إن أعانه قوم في كتابته بمال فأداها منه، وفضلت فضلة، فإن أعانوه بمعنى الفكاك لرقبته لا صدقة عليه فليرد إليهم الفضلة بالحصص، أو يحللوه منها. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 33684.

ومن ذلك ما قاله النووي في باب الزكاة من المجموع: لو غزا ورجع وبقي معه شيء من النفقة، فإن لم يقتر على نفسه وكان الباقي قدرا صالحا استرد منه، لأنا تبينا أن المدفوع إليه كان زائدا.. وفي مثله في ابن السبيل يسترد على الصحيح المشهور... أما إذا قتر الغازي على نفسه وفضل شيء بحيث لو لم يقتر لم يفضل لم يسترد بلا خلاف. لأنا دفعنا إليه كفايته فلم نرجع عليه بما قتر كالفقير إذا أعطيناه كفايته فقتر وفضل فضل عنده لا يسترجع منه. اهـ.

وعلى ذلك فالنظر يتوجه إلى مقصد هؤلاء المحسنين، وباعتباره يكون الحكم في ما بقي من أموال، فإن لم يعلم السائل مقصدهم، فبإمكانه أن يبين لهم حقيقة الحال، فإما أن يستردوا ما بقي من أموالهم، وإما يحلوه للسائل.

وأما ما ذكره السائل الكريم بخصوص البلدية، وأنه على يقين بأنه لو رد المال إليها فسيؤول إلى جيوب المسؤولين دون نقاش ولن يدخل خزينة البلدية. فإن كان كذلك فلا يرده إليهم.

قال النووي عليه رحمة الله في معرض الكلام على التخلص من المال الحرام: إذا وقع في يد الشخص بسبب هبة أو غيرها من سلطان جائر قلت: المختار أنه إن علم أن السلطان يصرفه في مصرف باطل أو ظن ذلك ظنا ظاهرا لزمه أن يصرفه في مصالح المسلمين.. اهـ.

وعليه؛ فيجب على السائل إن صح ما يقول أن ينفق هذا المال في أنواع الصدقات وأوجه البر لعجزه عن رده لموضعه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: جميع الحقوق التي لله ولعباده هي مشروطة بالتمكن من العلم والقدرة والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم، ولهذا قال العلماء: إن ما يجهل مالكه من الأموال التي قبضت بغير حق كالمكوس أو قبضت بحق كالوديعة والعارية وجهل صاحبها بحيث تعذر ردها عليه فإنها تصرف في مصالح المسلمين، وتكون حلالا لمن أخذها بحق كأهل الحاجة والاستعانة بها على مصالح المسلمين دون من أخذها بباطل كمن يأخذها فوق حقه. اهـ.

وقال أيضا: لو حصل بيده أثمان من غصوب وعواري وودائع لا يعرف أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم لأن المجهول كالمعدوم في الشريعة والمعجوز عنه كالمعدوم. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 94145، وعلى ذلك فلا حرج على السائل أن يمضي في ما ذكر في آخر سؤاله أنه يفكر فيه. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 106478.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني