الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى..)

السؤال

كيف يمكن الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى. وقوله: أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. متفق عليه، قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم (وخير الصدقة عن ظهر غنى) معناه: أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها ويستظهر به على مصالحه وحوائجه، وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله، لأن من تصدق بالجميع يندم غالباً أو قد يندم إذا احتاج، ويود أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنياً فإنه لا يندم عليها بل يسر بها.

وفي فتح الباري: والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجاً بعد صدقته إلى أحد، فمعنى الغنى في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه، وستر العورة، والحاجة إلى ما يدفع به عنه نفسه الأذى، وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم، وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه أو الإضرار بها أو كشف عورته، فمراعاة حقه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل من مضض الفقر وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء الله.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان. متفق عليه.. وفي رواية لمسلم: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء. ومعنى: (تأمل الغنى): أي ترجوه وتطمع فيه يعني وتقول اترك مالك في بيتك لتكون غنياً ويكون لك عز عند الناس بسبب غناك. مرعاة المفاتيح للمباركفوري.

قال ابن بطال وغيره: لما كان الشح غالباً في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر، بخلاف من يئس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره. فتح الباري لابن حجر.

ومما سبق يتضح أن المقصود بالغنى في الحديث الأول هو حصول ما يلبي للإنسان حاجاته الأساسية وحاجات من يعولهم، فقضاء هذه الاحتياجات مقدم على الصدقة.. وهذا بخلاف الغنى بالمعنى المتبادر إلى الذهن وهو المذكور في الحديث الثاني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني