الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يترك الإمام قراءة آية السجدة تأليفا لقلوب المأمومين

السؤال

حكم تعمد ترك سجود التلاوة في الصلوات المفروضة، لأني أصلي إماما بقرية يتبعون الفقه المالكي الذي يقول بكراهة هذا السجود في المكتوبات رغم أني مقتنع بأن الآثار الواردة لدينا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقول بالكراهة بل تؤكد سنيته. فهل لي أن أتركه لدرء الفتنة التي ستحصل من جرائه خاصة وأن اتباع المذهب المالكي مفروض من طرف السلطات وليس اختياريا؟ وهل هناك من علماء المالكية من يجوزه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أولاً أن مذهب المالكية هو كراهة تعمد قراءة آية السجدة في الصلاة المفروضة، لكنه إذا قرأها فإنه يسجد، كما نص على ذلك خليل في مختصره.

قال في مواهب الجليل: ش: وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد فإذا قرأ سورتها استحب له ترك قراءة السجدة نفسها فإن قرأها سجد وأعلن بها في السر. انتهى.

وأصله اللخمي في تبصرته ص: وإن قرأ في فرض سجد. انتهى.

واعلم أيضاً أن سجود التلاوة سنة غير واجب في قول الجمهور خلافاً لأبي حنيفه رحمه الله، وقول الجمهور هو الصواب، ففي الصحيح: أن عمر رضي الله عنه قرأ النحل على المنبر ثم سجد وسجد الناس، وقرأها في الجمعة التالية فتهيأ الناس للسجود فقال رضي الله عنه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وقد قاله بمحضر من الصحابة ولم ينكره منهم أحد، وفي الحديث المتفق عليه عن زيد بن ثابت قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد.

وعليه فمن قرأ آية السجدة في صلاة أو في غيرها ولم يسجد فليس عليه حرج.

قال ابن عبد البر في التمهيد بعدما ذكر طرفاً من الأدلة الدالة على عدم وجوب سجودة التلاوة: وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل يقرأ السجدة في الصلاة فلا يسجد، فقال: جائز أن لا يسجد وإن كنا نستحب أن يسجد فإن شاء سجد واحتج بحديث عمر: ليست علينا إلا أن نشاء. قيل له فإن هؤلاء يشددون يعني أصحاب أبي حنيفة فنفض يده وأنكر ذلك. انتهى.

فإذا ترك الإمام قراءة آية السجدة في الفريضة خشية وقوع فتنة وحصول شر لكون المأمومين يخالفونه فلا حرج في ذلك بل قد يكون هذا هو الأولى والأفضل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم درءاً للمفسدة ودفعاً للشر لحدثان عهد أهل مكة بالإسلام، وقد نص على هذا شيخ الإسلام رحمه الله، وأن الإمام لو ترك ما يعتقد استحبابه مراعاة لحل المأمومين كان محسناً بذلك.

قال رحمه الله: ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن. انتهى.

ثم اعلم أن الرواية عن مالك نفسه مختلفة في هذه المسألة، فروى عنه ابن القاسم كراهة قراءة آية السجدة في الفريضة، وروى عنه ابن وهب أنه لا باس بذلك، وفصل ابن حبيب فقال يكره في السرية ولا يكره في الجهرية.

قال أبو الوليد الباجي في شرحه للموطأ: وكره مالك للإمام أن يقرأ بالسجدة في فريضة رواه عنه ابن القاسم قال عن أشهب إلا أن يكون من وراءه عدد قليل لا يخاف أن يخلط عليهم، وروى عنه ابن وهب لا بأس أن يقرأم الإمام بالسجدة في فريضة، وقد قال ابن حبيب لا يقرأ الإمام بالسجدة فيما يسر فيه. وجه رواية ابن القاسم وأشهب ما احتجا به من أنه يخلط على من خلفه لأنه أمر غير معتاد في الصلاة، وجه رواية ابن وهب فعل عمر بن الخطاب لذلك بحضرة الصحابة فلم ينكره عليه منكر، ووجه قول ابن حبيب أن التخليط إنما يحصل عند الإسرار بالقراءة وأما مع الجهر فأكثر من وراءه يعلم بموضع السجدة فيتأهب لها ولا ينكر السجود فيها. انتهى.

وصحح ابن بشير من المالكية جواز قراءة آية السجدة في الفريضة، وذكر أنه فعل خيار أشياخه.

قال في التاج والإكليل: (وتعمدها بفريضة) من المدونة قال ابن القاسم أكره للإمام أن يتعمد في الفريضة قراءة سورة فيها سجدة لأنه يخلط على الناس صلاتهم، وأكره أن يتعمدها الفذ في الفريضة وهو الذي رأيت مالكاً يذهب إليه. ابن بشير الصحيح الجواز لمداومته صلى الله عليه وسلم على ألم في الصبح وعلى ذلك كان يواظب الخيار من أشياخي وأشياخهم. انتهى.

فإن أمكنك أن تبين للمأمومين عدم كراهة قراءة آية السجدة في الفريضة وتذكر لهم أنه مروى عن مالك واختيار بعض المالكية فحسن، وإلا فاترك قراءة آية السجدة في الفريضة حرصاً على تأليف قلوبهم ودفعاً للمفسدة ريثما يتسنى لك بيان السنة لهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني