الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الكذب لدرء المشاكل بين الناس

السؤال

إذا كان الكذب جائزا لإصلاح ذات البين. فهل يجوز الكذب لدفع خصومة مؤكدة الحصول؟فلو تيقنت أن قولي للحقيقة سيجعل زوجي يغضب مني أو سيجعل صديقتي تقاطعني أو سيجعل أمي تبكي وتتألم مني. فهل يشرع لي أن أكذب درءا لمثل هذه المفاسد التي أرى حتمية حصولها ؟ أم أنه يجب علي قول الحقيقة ومن ثم الوقوع في كل هذه المشاكل، ومن ثم يشرع لغيري بأن يكذب ليعيد العلاقات كما كانت إن استطاع إعادتها؟ ولا أعتقد أنها تعاد كالسابق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الكذب محرم في الأصل، لكنه قد يجوز وقد يجب، فإن أمكن الاستغناء عنه كان ذلك واجبا، فقد صح عن عمر وعمران بن حصين أنهما قالا: في المعاريض مندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني . وإن لم يمكن التعريض فقد أباح الشرع كلا من كذب الزوج على زوجته أو الزوجة على زوجها عند الحاجة لما يترتب على ذلك من مقصد المحافظة على العشرة الزوجية، وهذه الإباحة مشروطة بأن لا يترتب هذا الكذب إضاعة حق لأي من الطرفين أو غيرهما، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 34529.

ومثل ذلك الكذب تفاديا لوقوع المشاكل بين الناس، وضابط ما يباح من الكذب أن كل أمر محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو فيه مباح، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا. وزاد مسلم في روايته: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخّصُ فِي شَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ كَذِبٌ إِلاّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النّاسِ، وَحَدِيثُ الرّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.

وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب.

وقال ابن القيم في "زاد المعاد": يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب.

وقال الإمام النووي: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا....إلى آخر كلامه. وانظر الفتوى رقم: 64888.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني