الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج من المعتدة والمحرمة مؤقتا هل يحرمهما عليه أبدا

السؤال

هل صحيح أن زواج الرجل بامرأة في فترة العدة، أو المحرمة تحريمًا مؤقتًا يعتبر باطلا؟ وهل يجعل هذه المرأة محرمة تحريمًا أبديًا على الرجل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فزواج المرأة في العدة ـ من غير زوجها المعتدة من طلاقه ـ باطل بلا خلاف، قال ابن قدامة: وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها إجماعا ـ أي عدة كانت ـ لقول الله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله.

ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم، لئلا يفضي إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب، وإن تزوجت فالنكاح باطل، لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول فكان نكاحا باطلا كما لو تزوجت وهي في نكاحه ويجب أن يفرق بينه وبينها.

وأما تحريمها عليه تحريماً أبدياً فهو محل خلاف بين العلماء، قال ابن قدامة: وله أن ينكحها بعد انقضاء العدتين يعني للزوج الثاني أن يتزوجها بعد قضاء العدتين، وعن أحمد رواية أخرى أنها تحرم على الزوج الثاني على التأبيد وهو قول مالك وقديم قولي الشافعي، لقول عمر لا ينكحها أبدا، ولأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل موروثه، ولأنه يفسد النسب فيوقع التحريم المؤبد كاللعان.

وقال الشافعي في الجديد: له نكاحها بعد قضاء عدة الأول.

ويرى بعض العلماء أنّ هذا الحكم يرجع إلى اجتهاد الحاكم، فإذا رأى المصلحة في منع من تزوج في العدة ردعاً له منعه، قال الشيخ ابن عثيمين: وعندي أن هذه المسألة ينبغي أن يرجع فيها إلى اجتهاد القاضي، ما دام رويت عن أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو معروف بسياسته، فإذا رأى القاضي أن يمنعه منعاً مؤبداً عقوبةً له وردعاً لغيره فلا حرج عليه كأن يكون تعمد فعل المحرم بأن تزوجها في العدة، ويكون هذا من باب التعزير.

ونكاح سائر المحرمات تحريما مؤقتا باطل، وهنّ:

ـ المرأة المتزوجة، فلا تحل إلا إذا فارقها زوجها وانقضت عدتها منه.

ـ الكافرة غير الكتابية، فلا تحل إلا إذا أسلمت.

ـ أخت الزوجة التي في العصمة أو خالتها أو عمتها أو بنت أخيها أو بنت أختها، فلا تحل إلا إذا فارق زوجته وبانت منه.

ـ الخامسة لمن له أربع نسوة، فلا تحل حتى يفارق إحداهن وتبين منه.

لكن اختلف العلماء في نكاح أخت الزوجة أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها في عدة الزوجة البائن بينونة صغرى أو كبرى، وكذلك نكاح الخامسة لمن فارق إحدى زوجاته وبانت منه بينونة صغرى أو كبرى، فذهب المالكية والشافعية إلى جوازه، وذهب الحنفية والحنابلة إلى منعه، قال ابن قدامة: ومَتَى طَلَّقَ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُ, لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا, وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ, لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا, فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا, فَالتَّحْرِيمُ بَاقٍ بِحَالِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ فَسْخًا, فَكَذَلِكَ عِنْدَ إمَامِنَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهُ نِكَاحُ جَمِيعِ مَنْ سَمَّيْنَا فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ.

لكننا لم نطلع على من يقول بتأبيد تحريمها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني