الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل إبليس مظلوم مع أنه مختار؟

السؤال

أعاني منذ سنين طويلة من أسئلة تخص العقيدة الإسلامية، مما يدفعني للتفكير والاطلاع وسط معاناة شديدة للوصول إلى المعلومات الصحيحة، وآخر تلك التساؤلات هو: بما أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الحياة الدنيا للإبتلاء ـ إذاً ـ فالله قد رسم أسباب هذا الإبتلاء, وكان أعظم بلاء: هو فتنته سبحانه لإبليس, إذ بدون هذه الفتنة ما كان الإنسان في اختبار, وبالتالي, هل إبليس مظلوم؟ مع أنه مختار, إذ إن الله خلقه ووضع فيه حب الظهور وتقدم الصفوف وهو يعلم ـ منذ الأزل سبحانه ـ أنه لو وضع في اختبار ليسجد للإنسان فإنه لن يسجد ـ إذاً ـ فهل أجبر على العصيان بصورة غير مباشرة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية لابد من تقرير أنه لا يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان سيكون ـ إلا الله وحده، فليس من حق السائل ولا غيره من الخلق أن يحكم فيقول: بدون هذه الفتنة ما كان الإنسان في اختبار!! فهذا لا يعلمه إلا الله، ولا شك أن الله تعالى قادر على امتحان الناس بطرق أخرى، ونحن نرى امتحانا صريحا للبشر بغير الشيطان، وذلك بما رُكب في نفوسنا من أهواء، وزُيِّن لنا من شهوات، وما جُعل على الأرض من الزينة، ثم ما كُلفنا به من أحكام الشريعة وما حُمِّلنا من الأمانة.

وأما مسألة مظلومية إبليس!! فهي من المضحكات المبكيات، فهذه الدعوى الكاذبة لم يدعها إبليس نفسه، بل وسيقر في نهاية الأمر أنه هو وأتباعه هم الظالمون، كما قال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. { إبراهيم: 22 }.

قال ابن كثير: إن الظالمين ـ أي: في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل ـ لهم عذاب أليم. هـ.

ثم نقول لأخينا السائل: هون عليك، فمدار الإشكال على عقدة الجبر، وهي باطلة، فالله تعالى وإن كان قد قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، إلا أن هذا لا يعني أبدا أن الله سبحانه أجبرهم وقهرهم على فعل المعاصي، وإلا فأين مشئية العبد وقدرته واكتسابه لفعله؟ فالله عز وجل قد مكن الإنسان من الاختيار، وجعل له قدرة وعقلا، وهداه النجدين، وهو يختار بمشيئته أي الطريقين شاء، كما قال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. { الكهف: 29 }. وقال: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. { المزمل: 19 }. وقال: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا. {النبأ: 39 }. وقال: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. { عبس: 11ـ 12 }.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار، فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وحسنه الألباني.

وقد سبق لنا بيان معنى الجبر والاختيار، وإبطال الاحتجاج بالقدر على المعاصي، في الفتاوى التالية أرقامها: 49314، 2887، 67894.

كما سبق لنا التنبيه على أن الإيمان بالقدر لا يعني أن الإنسان مجبر على أفعاله، بل له اختيار في الأمور التي يترتب عليها الثواب والعقاب، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 128141، 4054، 36591.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني