الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية صلاة المحبوس الممنوع من الوضوء والصلاة

السؤال

كنت في سجن الصلاة فيه ممنوعة، وكذلك الوضوء فلم أكن أتمكن من الصلاة إلا جالسا أو بعيوني، ولم يكن وضوئي إلا غسيل بعض الأعضاء ومسح الأخرى، وتركت يومين أو ثلاث من الصلاة لأني كنت خائفا، وبقيت في السجن 32 يوما. فهل يجب علي قضاء صلوات 32 يوما؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن رحمة الله تعالى بعباده أنه رفع عنهم الحرج ولم يكلفهم إلا وسعهم، بل أمرهم بأن يتقوه قدر استطاعتهم. فقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {البقرة:16}، وقال جل اسمه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.

فمن عجز عن شرط من شروط الصلاة أو ركن من أركانها سقط عنه ما عجز عنه وفعل ما يقدر عليه، ثم إنه إن لم يقصر في فعل ما يقدر عليه من ذلك، فقد برئت ذمته ولا إعادة عليه، وانظر الفتوى رقم: 132697، ففيها كلام لشيخ الإسلام يحسن الوقوف عليه، وإذا علمت ما ذكرناه فاعلم أن الخائف من لحوق ضرر به كالأسير يخاف على نفسه يصلي كيفما أمكنه ولا إعادة عليه إذا فعل ما يقدر عليه.

قال الموفق رحمه الله في المغني: وإن هرب من العدو هربا مباحا أو من سيل أو سبع أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب فله أن يصلي صلاة شدة الخوف سواء خاف على نفسه أو ماله أو أهله، والأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى والمختفي في موضع يصليان كيفما أمكنهما نص عليه أحمد في الأسير ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام أو مضطجعا لا يمكنه القعود ولا الحركة صلى على حسب حاله وهذا قول محمد بن الحسن وقال الشافعي : يصلي ويعيد وليس بصحيح لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه فلم تلزمه الإعادة كالهارب ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا لأن المبيح خوف الهلاك وقد تساويا فيه ومتى أمكن التخلص بدون ذلك كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صولة العدو ولحوق الضرر فيصلي فيه ثم يخرج لم يكن له أن يصلي صلاة شدة الخوف لأنها إنما أبيحت للضرورة فاختصت بوجود الضرورة. انتهى.

وعليه، فما صليته من الصلوات بحسب استطاعتك إذا كنت فعلت ما تقدر عليه فقد برئت منه ذمتك، وما تركته من الصلوات فهو دين في ذمتك يلزمك الوفاء به، وذلك أنه كان يلزمك أن تصلي على حسب حالك، ولو بأن تمر أذكار الصلاة على قلبك، وإن كنت قد قصرت في فعل ما يجب عليك، كأن كان يمكنك أن تصلي قاعدا وصليت بالإيماء، أو نحو ذلك فإن ذمتك لم تبرأ منه، ويجب عليك إعادته، وننبه إلى أن الإيماء بالطرف لا يجوز إلا بعد العجز عن الإيماء بالرأس.

قال النووي: ثم إذا صلي على هيئة من هذه المذكورات وقدر علي الركوع والسجود أتى بهما وإلا أومأ إليهما منحنيا برأسه وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان ويكون السجود أخفض من الركوع، فان عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، وهذا كله واجب، فإن عجز عن الايماء بالطرف أجرى أفعال الصلاة على قلبه، فإن اعتقل لسانه وجب أن يجري القرآن والاذكار الواجبة علي قلبه كما يجب أن يجري الأفعال، قال أصحابنا وما دام عاقلا لا يسقط عنه فرض الصلاة ولو انتهى ما انتهى، ولنا وجه حكاه صاحبا العدة والبيان وغيرهما أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة وهذا شاذ مردود. انتهى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني