الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكل المال المحرم مع التصدق بقيمته خير أم تركه يتلف

السؤال

لدي أخ مدخوله حرام، عند ما يأتي عندنا يشتري لنا عدة مواد استهلاكية. أنا أرفض أكلها وأمي ترفض التصدق بها فأتركها إلى أن تفسد ثم أرميها. هل يجوز لي أكلها مقابل التصدق بثمنها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان مال أخيك مختلطا بعضه حلال وبعضه حرام فلا حرج في الأكل مما يأتي به وإن كان ذلك مكروها، وتقوى الكراهة بحسب كثرة الحرام.

وأما إن كان جميع ماله محرما فلا يجوز لكم قبول شيء مما يأتيكم به، ثم إن كان هذا المال مملوكا لشخص معين وجب رده إليه، ولم يجز الانتفاع به ولا الصدقة به عنه ما دام الوصول إليه أو إلى وارثه ممكنا، وإن كان الوصول إلى مالك هذا المال متعذرا بأن كان مالكه مجهولا فالواجب الصدقة به بصرفه في مصالح المسلمين أو دفعه إلى الفقراء والمساكين، وراجعي لتفصيل القول في حكم الأكل من مال من ماله حرام الفتوى رقم: 6880. وعليكم مناصحة هذا الأخ ليترك ما هو مقيم عليه من الكسب المحرم، وأن تعرفوه عاقبة فعله ذاك وأنه يؤدي به إلى سخط الله ومقته وعقوبته في الدنيا والآخرة، ولو لم يكن إلا منع قبول دعائه لكفى زاجرا ورادعا عن اكتساب الحرام، ولعل في عدم قبولكم ما يأتيكم به زاجرا ورادعا له ليتوب إلى الله تعالى ويقلع عن الكسب الخبيث.

ولو فرض أن أمك أخذت من هذا المال شيئا ولم يمكن صرفه في مصرفه والصدقة به على الفقراء والمساكين إن لم يكن له مالك معين فالذي يظهر أن أكله مع ضمان قيمته خير من إتلافه وتركه حتى يفسد، لأن الشرع أتى بالنهي عن إضاعة المال، ولأن حصول قيمة هذا الطعام للفقراء خير من فواتها عليهم، ولا سيما وأن بعض العلماء ذهبوا إلى أن المال المحرم لكسبه يحرم على مكتسبه فقط ولا يحرم على من تعامل معه فيه بوجه مباح كالشراء أو الاتهاب، ولا يكون محرما على من اشتراه أو وهب له، وهذا وإن كان مرجوحا عندنا لكنه يقوي ما ذكرناه من كون أكل هذا المال مع التصدق بقيمته خير من تركه يتلف وتفوت قيمته على الفقراء، وهذا القول الذي ذكرناه هو ترجيح الشيخ العثيمين رحمه الله فقد قال ما نصه: قال بعض العلماء : ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب ، بخلاف ما كان محرما لعينه ، كالخمر والمغصوب ونحوهما ، وهذا القول وجيه قوي ، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله ، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر ، وأجاب دعوة اليهودي ، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة : ( هو لها صدقة ولنا منها هدية ). انتهى.

وقال أيضا : وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش ، أو عن طريق الربا ، أو عن طريق الكذب ، وما أشبه ذلك ؛ وهذا محرم على مكتسبه ، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح ؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ، ويأخذون الربا ، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني