الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يفسد الاعتكاف بالاحتلام والاستمناء وخروج المذي وهل يقضى

السؤال

هل الاستمناء يبطل الاعتكاف؟ أما الاستحلام والودي والمذي فلا يبطله، ومن فسد اعتكافه هل يجب قضاؤه سواء أكان نذرا أو ليس بنذر. فقد شاهدت في موقعكم أنه إذا كان النذر واجباً وجب قضاؤه، أما إذا كان نفلاً فلا يجب، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بقضاء اعتكافه في شوال لأنه قطع اعتكافه في رمضان. فما القرينة التي صرفت من الوجوب إلى الاستحباب؟ أم أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس على الوجوب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاحتلام المعتكف لا يؤثر في صحة اعتكافه قطعاً لأنه بغير اختياره، وأما إذا استمنى فأنزل، فقد اختلف العلماء هل يفسد اعتكافه أو لا، ولعل الراجح أن اعتكافه يفسد بذلك، قال النووي في المجموع: إذا استمنى بيده فإن لم ينزل لم يبطل اعتكافه بلا خلاف، وإن أنزل قال البغوي والرافعي: إن قلنا إذا لمس أو قبل فأنزل لا يبطل فهنا أولى وإلا فوجهان، لأن كمال اللذة باصطكاك البشرتين والأصح البطلان. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية: يبطل الاعتكاف بالاستمناء باليد عند الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية، إلا أن من الشافعية من ذكره قولا واحداً، ومنهم من استظهر البطلان. انتهى.

وأما خروج المذي فلا يبطل الاعتكاف إلا إن كان عن مباشرة فإن بعض العلماء جعل نفس المباشرة لشهوة من مفسدات الاعتكاف وإن لم يترتب عليها إنزال، قال ابن قدامة بعدما بين حرمة المباشرة لشهوة: فإن فعل فأنزل فسد اعتكافه، وإن لم ينزل لم يفسد، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر: يفسد في الحالين وهو قول مالك لأنها مباشرة محرمة فأفسدت الاعتكاف كما لو أنزل، ولنا أنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجاً فلم تفسد الاعتكاف كالمباشرة لغير شهوة وفارق التي أنزل بها لأنها تفسد الصوم. انتهى.

وأما الودي فإن خروجه لا يبطل الاعتكاف بلا شك..

وأما قضاء الاعتكاف فإنه إن كان واجباً كالاعتكاف المنذور فهو واجب، وإن كان تطوعاً ففي وجوب قضائه لمن أفسده خلاف، والراجح عدم لزوم القضاء وهو مذهب الشافعية والحنابلة، والأصل فيما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه للاستحباب لا للوجوب كما هو معروف في علم الأصول، قال الشيخ العثيمين رحمه الله: ليس بواجب أن يُقضى الاعتكاف، لأنه سنة، والسنة إن شاء الإنسان فعلها وإن شاء تركها. وأما قضاؤه لمن فاته فإن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم التأسي، فإذا كان من عادة الإنسان أن يعتكف وترك الاعتكاف في رمضان لعذر وقضاه في شوال، فله قدوة وأسوة وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. انتهى.

ثم إن بعض العلماء رأى أن هذا الحديث لا يفيد مشروعية قضاء الاعتكاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شرع في الاعتكاف، وإنما كان عزم عليه ونواه فحسب، والعبادة لا تلزم بمجرد النية عند أحد من العلماء، والحديث المشار إليه هو ما رواه الشيخان عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، وأنه أمر بخباء فضرب لما أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمرت غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائها فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية فقال: البر يردن؟ فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأواخر من شوال. قال الشوكاني: (واستدل) به أيضاً على جواز الخروج من العبادة بعد الدخول فيها، وأجيب عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف، وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فيكون دليلاً على جواز ترك العبادة إذا لم يحصل إلا مجرد النية كما قال المصنف. انتهى.

وعلى هذا التقدير فلا يكون هذا الحديث دليلاً في محل النزاع، وبالجملة فقضاء الاعتكاف المسنون لمن أفسده بعد الشروع فيه أولى وافضل بكل حال وفيه خروج من خلاف العلماء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني