الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول زكاة الدين ودفع الزكاة للأب

السؤال

أرجو ان يتسع صدركم لسؤالي المعقد قليلا وأن يتم الإجابة على كل الفقرات كونها مترابطة يبعضها منذ 3 سنوات كان والدي يسكن في بيت أجرة و لديه بيتان على الهيكل . و كنت أنا , لدي بيت (وحيد) على الهيكل و مبلغ من المال أردت أن أستعمله لكسوة بيتي . طلب والدي مني المال لكسوة أحد بيتيه على أن يعيده لي عند بيعه لبيته الثاني . أدنت والدي المال لإكساء أحد بيتيه كسوة كاملة و ليسكنه مع والدتي و إخوتي الصغار . ومنذ 3 سنوات هو يسكن في بيته و لم يتمكن من بيع بيته الآخر على الهيكل . و فيما بعد استدان الوالد من شخص آخر مبلغا من المال فاشترى سيارة و هذا المبلغ بعادل تقريبا قيمة بيته الثاني على الهيكل . و انا بيتي الوحيد لا يزال على الهيكل . وأنا أعلم أنه لا يستطيع و لن يستطيع أن يسدد المبلغ من دخله الشهري .
بسبب طول الزمن هو يفكر الآن ببيع بيته المكسي و شراء بيت أصغر ليسد الدين لي و يمكنني من إكساء بيتي (الوحيد).
السؤال الأول : هل يمكنني أن أعتبر المبلغ الذي أدنته إلى والدي بمثابة إكساء لبيتي (كونه إذا أعطاني المال اليوم فسأقوم بإكساء بيتي فورا) و بهذه الحالة يصبح المبلغ غير مستحق للزكاة فيسقط حق الزكاة لـ 3 سنوات؟ إذا كانت الإجابة نعم فما الحكم لو أنه تمكن يوما من رد الدين و لم أقم بكسوة بيتي و لكن بعته ثم أضفته إلى المبلغ المقرض إلى أبي و إلى مبلغ آخر بحوزتي ثم اشتريت بيتا آخر مكسيا و جاهزا ؟
السؤال الثاني : هل يجوز أن أدفع من زكاة مالي إلى والدي فيسد الدين لي ؟ و إن كانت الإجابة نعم فهل يمكنني أن أمرر المبلغ إلى نفسي وبدون أن ابلغ والدي بالأمر لكي لا يتحسس من الأمر ؟ لنفترض أنني من خلال الزكاة أعدت ثلث المبلغ المدين مثلا , فما حكم الأمر إذا توفر لديه المبلغ يوما وإعاده لي كاملا .... فماذا أفعل بالثلث الذي كنت قد أكلته ؟
أرجو الإجابة مع الأخذ بالعلم أن بيتي الذي أملكه لا يزال على الهيكل . ولكنني مغترب خارج البلاد فأنا لا أحتاج أن يكون البيت مكسيا" حاجة قسرية .
و مع العلم أنني أساهم بأكثر من 50% من مصروف بيت الوالد كون دخله قليلا جدا ... أرجو تحديد إذا كان المصروف الذي أعطيه في هذه الحالة زكاة أم صدقة.أرجو تفهم موقفي .... أنا لا أريد التهرب من الزكاة و لكن أطلب الحكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما الدين الذي على والدك فإن كان أبوك موسرا فزكاة هذا الدين واجبة عليك، والراجح أنك مخير إن شئت زكيته مع مالك وإن شئت زكيته بعد قبضه لما مضى من السنين، وأما إن كان أبوك معسرا كما هو الظاهر ففي وجوب زكاة هذا الدين عليك خلاف، فقيل لا تجب وإنما تستقبل بالمال حولا جديدا بعد قبضه وهو مذهب الحنفية وقول إسحق ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وقيل تجب لسنة واحدة كما هو قول مالك وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز وقيل تجب بعد قبضه لما مضى من السنين وهو أحوط الأقوال، وهو مروي عن علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة.

جاء في الموسوعة الفقهية: وأما الدين غير المرجو الأداء ، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل ، وفيه مذاهب : فمذهب الحنفية فيه ، وهو قول قتادة وإسحاق ، وأبي ثور ، ورواية عن أحمد ، وقول مقابل للأظهر للشافعي : أنه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك ؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به .

والقول الثاني وهو قول الثوري ، وأبي عبيد ورواية عن أحمد ، وقول للشافعي هو الأظهر : أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين ، لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون " إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى . وذهب مالك إلى أنه إن كان مما فيه الزكاة يزكيه إذا قبضه لعام واحد وإن أقام عند المدين أعواما . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، والحسن والليث ، والأوزاعي . انتهى

وإذا علمت ما مر فإن الأقوال المذكورة تكاد تكون متكافئة في القوة ولكل منها تعليله الناهض والآثار التي يستدل بها قائله عن السلف الطيب، والمختار عندنا هو أحوط الأقوال وأبرؤها للذمة وهو قول الشافعية والمعتمد عند الحنابلة وهو وجوب زكاته عند قبضه لما مضى من السنين. وراجع الفتوى رقم: 119194.

وأما ما ذكرته من كونك لو قبضت هذا المال كنت كسوت به بيتك فتجعله مقام تلك الكسوة فكلام لا وجه له لأن هذا المال قد حال عليه الحول وهو مملوك لك على صورته النقدية التي تجب فيها الزكاة، فإن قلنا بوجوب الزكاة في الدين كما هو المفتى به عندنا فزكاة هذا المال واجبة عليك، وأما إسقاط الدين الذي على أبيك وحساب ذلك من الزكاة فلا يجوز في قول الجماهير كما أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 138688، وكذا لا يجوز أن تدفع الزكاة لأبيك وتشترط عليه أن يقضي بها دينه كما صرح بذلك العلماء، ولكن لو كان أبوك عاجزا عن وفاء الدين ودفعت إليه الزكاة دون أن تشترط عليه سداد دينه فقضاك دينك من هذا المال أجزأك ذلك عن زكاتك ما لم يكن شرطا كما ذكرنا، وإن لم يجز أن تدفع الزكاة إليه مع اشتراط أن يردها عليك فأولى ألا يجوز أن تدفعها إلى نفسك.

قال النووي رحمه الله: إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة بالاتفاق ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق ممن صرح بالمسألة القفال في الفتاوى وصاحب التهذيب في باب الشرط في المهر وصاحب البيان هنا والرافعي وآخرون ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق وأجزأه عن الزكاة وإذا رده إليه عن الدين برئ منه. انتهى.

وأما ما تدفعه لأبيك من النفقة فإن كان فقيرا عاجزا عن النفقة على نفسه فنفقته واجبة عليك ومن ثم فلا يجوز لك أن تحتسب ما تنفقه عليه من الزكاة إلا إن كنت عاجزا عن النفقة عليه فقد أجاز كثير من العلماء في هذه الحال حساب ما تنفقه عليه من زكاة المال، وأما إن كان أبوك غنيا قادرا على النفقة فعدم جواز احتساب ما تدفعه إليه من الزكاة ظاهر، وقد بينا الحالات التي يجوز فيها إعطاء الزكاة لمن تلزم نفقته من الوالدين والأولاد في الفتوى رقم: 121017 ورقم: 129921 فراجعهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني