الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوضوء والتيمم هل كانا موجودين قبل الإسلام

السؤال

هناك بعض النصارى الذين يدعون أن الوضوء والتيمم كانا موجودين قبل الإسلام، وخصوصا في الديانة المنوية والزرادشتية؟ فهل هذا القول صحيح؟ بل وأكثر من ذلك كصفة الصلاة من حركات كالسجود، والمصدر الذي ينقلون منه كاتب اسمه: ارثر كريستنين.
فأرجو الإفادة مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد دلت الأدلة الشرعية ـ من الكتاب والسنة ـ على أن الصلاة والوضوء، وكذا الصيام والزكاة كانت عبادات مشروعة في الشرائع السابقة, كما قال تعالى عن إسماعيل عليه السلام: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا.{مريم: 55 }.

وقال عن عيسى عليه السلام: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا.{مريم: 31 }.

وقد قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ.{البقرة: 183}.

وأما الوضوء: ففي قصة جريج العابد في الصحيحين: فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى. وهذا لفظ البخاري.

قال الحافظ في الفتح: وَفِيهِ: أَنَّ الْوُضُوء لَا يَخْتَصّ بِهَذِهِ الْأُمَّة، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ. اهـ. وفي لفظ لمسلم: فَصَادَفُوهُ يُصَلِّي فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ.

وهل كانت الصلاة مشروعة على صفتها المشروعة عندنا؟ لا علم لنا بذلك, ولم نقف على نص لأهل العلم في ذلك.

وأما التيمم: فهو خاص بهذه الأمة، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: وَجُعِلَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا.متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا.

فالتيمم بالصعيد خاص بهذه الأمة, قال صاحب الروض المربع: وهو من خصائص هذه الأمة، لم يجعله الله طهورا لغيرها توسعة عليها وإحسانا إليها، فقال تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن امتنع عن الصلاة بالتيمم، فإنه من جنس اليهود والنصارى، فإن التيمم لأمة محمد صلى الله عليه و سلم خاصة. اهـ.

وجاء في حاشية النجدي على الروض: وعد النيسابوري وغيره: أن الذي اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء أكثر من ستين خصلة، وعدها بعض المتأخرين إلى ثلاثمائة، والتحقيق أنها لا تحصراهـ.

ولا يستغرب أن توجد الصلاة، أو الوضوء، أو غيرهما ـ مما لم تختص به الأمة ـ لدى المانوية, لأن المانوية أصحاب: ماني بن فاتك, وقد أحدث هذا الرجل دينا بين المجوسية والنصرانية وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام, فلا يبعد أن يكون قد أخذ بعض الأمور المشروعة في شريعة عيسى وأضافها لدينه المبتدع, وكذا يمكن أن يكون الزرادشتية: أتباع زرادشت بن يورشب ـ قد أخذوا هذه الأمور من شرائع سابقة.

وقول النصارى إن هذه كانت في الأمم السابقة: إن كانوا يريدون بذلك الطعن في الإسلام وأنه مقتبس من الأمم السابقة، فهذه دعوى باطلة يردها أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب، فلا علم له بكتب المانوية ولا الزرادشتية, ومع ذلك جاء بهذا الكتاب العظيم والشريعة المباركة التي لا يمكن أن تكون من عند غير الله تعالى, قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ * ومَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ.{العنكبوت: 47 – 49}.

ولو قال قائل: إن بعض ما في أيدي أهل الكتاب مأخوذ من بعض النحل والملل المتقدمة عليهما بحجة وجود بعض أوجه الشبه لرد أهل الكتاب هذه الدعوى, وهم في الحقيقة شابهوا أهل الشرك المتقدمين قبلهم في دعواهم أن لله ولدا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، كما أخبر الله بذلك في قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.{التوبة: 30 }.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني