الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علة خلود الكفار في النار

السؤال

سألني أحدهم: لماذا عذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا؟ وهل من العدل أن يجرم الإنسان في الدنيا ساعة ويعاقب عليها آلاف السنين؟ فكيف نجيب عن مثل هذا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية لا بد من التنبيه على أن الله تعالى هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأفعاله سبحانه كلها عدل وحكمة، ومن ذلك حكمه بخلود الكفار في النار، ويمكن أن يفسر هذا بما ثبت من أن النية والقصد والعزيمة لها أثر في حصول عذاب الآخرة، كنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما: فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. متفق عليه.

قال النووي: فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه الجمهور: أن من نوى المعصية وأصر على النية يكون آثما وإن لم يفعلها ولا تكلم. انتهى.

وبهذا أجاب كثير من أهل العلم عن علة خلود الكفار في النار رغم أن مدة بقائهم ومعصيتهم في الدنيا كانت محدودة، قال أبو بكر الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد: لأن العذاب يدوم بدوام سببه بلا شك ولا ريب، وهو قصد الكفر وبقاء العزم عليه، ولا شك أنهم لو عاشوا أبد الآباد لاستمروا على كفرهم، وكذلك المؤمن يستحق الخلود، وهذا معنى قوله: نية المؤمن خير من عمله. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 55511.

وقد ذكر ابن القيم هذه العلة في معرض بيان حجة من قال بعدم فناء النار في ما نقله في حادي الأرواح: سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا ـ كمعاصي الموحدين ـ أما إذا كان لازما ـ كالكفر والشرك ـ فإن أثره لا يزول كما لا يزول السبب، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها: قوله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ـ فهذا إخبار بأن نفوسهم وطبائعهم لا تقتضي غير الكفر والشرك، وأنها غير قابلة للإيمان أصلا.

ومنها: قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ـ فأخبر سبحانه أن ضلالهم وعماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل، وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم، فإن موجبه وأثره ومقتضاه لا يفارقهم.

ومنها: قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ـ وهذا يدل على أنه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة ولو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره، ويدل على أنهم لا خير فيهم هناك ـ أيضا ـ قوله: أخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير ـ فلو كان عند هؤلاء أدنى أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين. انتهى.

ثم قال: لعمر الله إن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسألة، وأن الأمر لكما قلتم، وأن العذاب يدوم بدوام موجبه وسببه، ولا ريب أنهم في الآخرة في عمى وضلال كما كانوا في الدنيا، وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا والعذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك. انتهى.

ثم ناقش ذلك بما لا يتسع المقام لنقله ومناقشته، وفي القدر المنقول من الكلام كفاية، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 77624، ورقم: 15174.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني