الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من ورث مالا بعضه حلال وبعضه حرام

السؤال

ورثت أمي عن خالتي رحمها الله مبلغاً كبيراً من المال حوالي مائة ألف جنيه وهى أخت غير شقيقة لها . المشكلة أن خالتي كانت تضع نقودها فى حوالي بنكين أو ثلاثة ربويين وبنك إسلامي، وأمي لا تتذكر هل الأكثر كان فى البنك الإسلامى أم البنوك الربوية، وأنا كذلك غير متأكدة لأن الموضوع مر عليه أكثر من ثلاث سنوات تقريبا ولا نعلم أكثر أصل المال هو مال خالتي أم مال البنوك، وهذا المال قد صرفناه على تجديد بيتنا فهل هو حرام أم حلال ؟ وإن كان حراما هل من كفارة أم لا نسكن فى البيت مثلا لهذا السبب برغم من أنه ليس لنا مسكن غيره ؟
هذه نقطة.
أما النقطة الثانية فهي أن أمي أعطت خالي من هذا المال الموروث حوالي أربعة عشر أو خمسة عشر ألفاً من الجنيهات.
وأمي كانت تملك هي وخالي واثتنان من خالاتي وهم أشقاء، ( شقة فى مسكن) وكان هناك إخوة غير أشقاء لهم ملك أيضاً في هذه الشقة حسب الميراث الشرعى، وقد سألتُ أمي أهذه الشقة كانت مكتوبة باسم خالتي التى ماتت أم جدتي رحمها الله أم خالتي التي على قيد الحياة ؟ قالت لي إنها غير متأكدة ولكنها قالت إنها في الغالب تقريبا مكتوبة باسم جدتي أو خالتي التي على قيد الحياة وليست خالتي التى ماتت رحمها الله تعالى ولكنها ليس عندها اليقين، المهم أن خالتي التي على قيد الحياة أرادت أن تسكّن ابنتها فى هذه الشقة فاشترت نصيب الأخوات غير الاشقاء كل فرد بمبلغ بسيط من المال والله أعلم لأني أيضاً لست متأكدة من هذه المعلومة فكل هذا مجرد سماع، ولكن عندما اشترت هذه الخالة نصيب خالي وأمي وخالتي الأخرى التى على قيد الحياة أيضاً أتت بفرد كي يثمن الشقة كي تعطيهم حقهم الشرعى ولا أعلم هل فعلت هذا مع أخوات خالتي التى ماتت غير الأشقاء وثمنت الشقة أيضاً أم لا؟
وخالي عند ما أخذ نصيبه نقوداً في هذه الشقة أعطى أمي الدين الذي كان عليه الأربعة عشر أو خمسة عشر ألفاً من الجنيهات.
وأمي قد وهبتني منهم ما يعادل 9 آلاف أو أكثر قليلا تقريبا كي أحفظهم كي يكون معي نقود عندما يتقدم مثلا أحد العرسان فأصرف منهم مصاريف وتكاليف الزواج إن شاء المولى وأضيف عليهم ما شئت من المبالغ من مكاسب عملي.
فهل هذه النقود التي ردها خالي إلى أمي حرام أم حلال علماً بأنها في الأصل سدادا لدين من النقود الموروثة من خالتي التي ماتت وكانت تضع نقودها في البنوك ؟
وإن كانت حراما فهل علي التصدق بها مثلا وأبتدئ جمع نقود من عملي من جديد أم ماذا أفعل في هذا المال لأني أحتاج بعض المال لشراء شيء. فهل يجوز لي أخذ هذه النقود للشراء أم لا؟
وأود التوضيح أيضاً أنني تصرفت في بعض المال فهل إن كان حراماً هل علي كفارة أم ماذا أفعل ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأصل في المال الحرام أنه لا يملك ولو بالإرث وإنما يتخلص منه ويصرف في مصالح المسلمين، ويدفع إلى الفقراء والمساكين ولو جهل قدره فيحتاط له ليطيب الباقي لصاحبه.

قال ابن تيمية في الفتاوى: المال المأخوذ بوجه محرم إذا خلط بمال حلال فالواجب أن يخرج من ذلك القدر المحرم وقدر ماله حلال له.

قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 366): "قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ سَبِيلَ التَّوْبَةِ مِمَّا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْحَرَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ رِبًا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنْ أَخَذَهُ بِظُلْمٍ فَلْيَفْعَلْ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَدْرِ كَمِ الْحَرَامُ مِنَ الْحَلَالِ مِمَّا بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ مَا بِيَدِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّ مَا يَبْقَى قَدْ خَلَصَ لَهُ فَيَرُدُّهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَزَالَ عَنْ يَدِهِ إِلَى مَنْ عُرِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَوْ أَرْبَى عَلَيْهِ. فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ." انتهى

وقال النووي في المجموع: من ورث مالاً ولم يعلم من أين كسبه مورثه أمن حلال أم من حرام؟ ولم تكن علامة فهو حلال بإجماع العلماء، فإن علم أن فيه حراماً وشك في قدره أخرج قدر الحرام بالاجتهاد انتهى.

كما أنه ليس لآخذ المال الحرام أوالآيل إليه بالإرث ونحوه أن يصرفه على نفسه أو من تلزمه نفقته إلا إذا كان فقيرا محتاجا إليه.

قال النووي نقلا عن الغزالي: وله أن يتصدق به أي بالمال الحرام على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيه، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضا فقير. انتهى.

وعليه فعلى والدة السائلة أن تتحقق من قدر الفوائد الربوية التي ترتبت على المبلغ المذكور وتخرج مثلها في وجوه البر ومنافع المسلمين، وعند عدم العلم تحتاط كما تقدم بيانه.

وأما السكن في البيت والانتفاع به فلا حرج عليها فيه.

وأما ما أعطته أمك لخالك، وما حصل بعد ذلك من سداده للدين وهبتك أمك لبعض ذلك المال فلا تلتفتي إليه.

وما أخذه خالك حلال، وما آل إليك المال حلال ، فالتحريم يتعلق بالذمة لا بعين المال ، ولأن تغير الملك كتغير الذات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني