الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا أعطت الأم مالا لولدها لخدمتها فهل يرد للتركة بعد موتها

السؤال

جدتي قبل وفاتها أعطت أبي قدراً من المال لإعانته على بناء منزل على أن يقوم بشراء الدواء لها وحملها إلى الطبيب عند الحاجة، فهل هذا المال يخصم من الميراث؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كانت الأم دفعت المال لولدها مقابل أن يخدمها بأخذها للطبيب عند الحاجة ويشتري لها الدواء، فإن هذا العقد فاسد فيما يظهر لنا، لأن من شروط صحة الإجارة أن تكون المنفعة معلومة منضبطة، ومن شروط صحة البيع أن يكون المعقود عليه معلوماً، وإيصال الأم إلى الطبيب وإحضار الدواء لها ليسا منضبطين، فقد يقلان وقد يكثران، وأجل هذه الخدمة غير معلوم أيضاً، جاء في الموسوعة الفقهية: يشترط لصحة الإجارة أن تكون المنفعة والأجرة معلومتين علماً ينفي الجهالة المفضية للنزاع، وإلا فلا تنعقد الإجارة. انتهى.

ثم على تقدير انضباط كل ذلك، فإن الفقهاء اختلفوا في صحة إجارة الوالد لولده، قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: يجوز استئجار ولده لخدمته قاله الأصحاب وقطعوا به، قلت: وفي النفس منه شيء، بل الذي ينبغي: أنها لا تصح، ويجب عليه خدمته بالمعروف. انتهى.

وقال زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: ويصح استئجار الوالد ولده كغيره.انتهى.

وعند الحنفية كما في المبسوط للسرخسي: وإن استأجر الرجل ابنه ليخدمه في بيته لم يجز ولا أجر عليه، لأن خدمة الأب مستحق على الابن دينا، وهو مطالب به عرفاً فلا يأخذ عليه أجراً، ويعد من العقوق أن يأخذ الولد الأجر على خدمة أبيه، والعقوق حرام، وكذلك إن استأجرته الأم، لأن خدمتها أوجب عليه، فإنها أحوج إلى ذلك وأشفق عليه، وإن كان أحدهما استأجره ليرعيه غنما، أو يعمل غير الخدمة جاز، فإن ذلك غير مستحق عليه ولا هو مطلوب في العرف. انتهى.

فعلى مذهب الحنفية وما مال إليه صاحب الإنصاف لم تصح تلك الإجارة، لأن خدمة والدته بنفسه بإحضار الدواء وأخذها للمستشفى من الخدمة الواجبة عليه، وتكون أجرة النقل وثمن الدواء على الوالدة إن كان لها مال وإلا فعليه هو، وعليه أن يرد المال إلى التركة، وعلى قول الشافعية والحنابلة تصح الإجارة ولا يخصم المال من نصيب الولد من تركة أمه بعد مماتها، ثم على تقدير الصحة، فإذا كان في الإجارة المذكورة محاباة للولد وحيلة لتفضيله في العطية على بقية إخوته وأخواته ـ كأن يكون المال المدفوع له أكثر بكثير من أجرة مثل تلك الخدمة التي يقدمها الولد لأمه ـ فإن هذه عطية في حقيقتها، وإذا لم تعط الأم بقية أولادها ما يتحقق به العدل فإنه يلزم ذلك الولد أن يرد المال إلى التركة، أو يخصم من نصيبه منها.

والخلاصة: أننا نرى أن الإجارة فاسدة، وعلى الابن أن يرد المال إلى التركة، وله أن يخصم منه نفقة أجرة النقل وثمن الدواء وغير ذلك من النفقات التي احتاجتها الوالدة، إن كان هو الذي تولى تلك النفقات ولم يكن متبرعاً بها، وقلنا إن له خصم تلك النفقات، لأن النفقة على الوالدين لا تجب على الابن إلا إذا لم يكن للوالد مال، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 101286، 103527، 6242، عن وجوب العدل بين الأولاد في العطية ورد الهبة الجائرة بعد الممات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني