الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دية غير المسلم في القتل الخطأ

السؤال

سؤالي عن الدية للمسيحي، حيث وقع لي حادث بالسيارة، وأثناء انقلاب السيارة اصطدمت بشخص مسيحي كان يمشي في مكان غير مخصص لعبور المشاة ومات، وأريد أن أعرف الدية الواجبة علي إن كانت هناك كفارة، علما بأنني لم أكن مخطئا في الحادث.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه نريد ـ أولا ـ التنبيه إلى أن السائق ليس ضامنا لما يحدث، إلا في حالة تفريطه، وقد بينا تفصيل ذلك بما يحسن مراجعته في الفتويين رقم: 15533، ورقم: 19279.

وإذا وجد من السائق موجب للضمان، فقد اتفق الفقهاء على أنه لا دية للحربي ـ نصرانياً كان أو غيره ـ أما غير الحربي من أهل الكتاب وغيرهم: ففيه خلاف بين الفقهاء، فمذهب المالكية والحنابلة أن دية الكتابي الذمي والمعاهد نصف دية المسلم، ودليلهم على ذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عقل الكافر نصف عقل المؤمن. رواه النسائي والترمذي والبيهقي، وصححه الألباني.

وذهب الحنفية إلى أن دية الذمي والكافر المستأمن والمسلم سواء، لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء: الآية92}.

حيث أطلق سبحانه وتعالى القول بالدية في جميع أنواع القتل من غير فصل، فدل على أن الواجب في الكل واحد.

وذهب الشافعية إلى أن دية اليهودي والنصراني ـ الذمي ـ ثلث دية المسلم، ودليلهم في ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن الخطاب، قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، ودية المجوسي ثمانمائة. وذكره الترمذي في سننه.

وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية أنه يفرق بين العمد والخطإ فيجب في العمد مثل دية المسلم، فقد قال ـ رحمه الله: ولا يجوز قتل الذمي بغير حق وتجب الدية.

فقيل: الدية الواجبة نصف دية المسلم.

وقيل: ثلث ديته.

وقيل: يفرق بين العمد والخطإ، فيجب في العمد مثل دية المسلم، ويروى ذلك عن عثمان بن عفان: أن مسلما قتل ذميا فغلظ عليه وأوجب عليه كمال الدية، وفي الخطإ نصف الدية، ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جعل دية الذمي نصف دية المسلم.

وعلى القول بالضمان، فإنه تجب كفارة القتل ـ أيضا ـ على الراجح، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وراجع الفتوى رقم: 15014.

والراجح ـ والله أعلم ـ هو ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من أن دية غير المسلم الذمي والمعاهد من غيرهم على النصف من دية المسلم، ودية المسلم مائة من الإبل، أو ما يعادل قيمتها، لموافقته للحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع فتوانا رقم: 21224.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني