الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

جزاكم الله خيرا على ما تقدمون من جهد ووقت في سبيل تعليم المجتمع.
سؤالي يتعلق بالحظ فقد ذكر في القرآن الكريم في أكثر من آية، منها قوله تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)، كذلك قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) هل المقصود به النصيب، في كلا الآيتين أم إنه يختلف، هل الحظ مرتبط بصلاح الإنسان أم إنه نصيب إنسان مكتوب، سواء كان هذا الإنسان صالحا أم طالحا، وهل أستطيع أن أعتبر الزانية التي دخلت الجنة بسبب كلب صاحبة حظ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فتجدر الإشارة أولاً إلى أن الأمور كلها مقدرة بتقدير من الله أزلي يستحيل أن يتغير وكل ذلك لحكم بالغة، هذا على سبيل العموم، وفي خصوص ما سألت عنه فإن الحظ يراد به النصيب المقدر، كما قال الراغب في المفردات في غريب القرآن: الحظ النصيب المقدر، وقد حظظ وأحظ فهو محظوظ وقيل في جمعه أحاظ وأحظ، قال الله تعالى: فنسوا حظا مما ذكروا به. وقال تعالى: للذكر مثل حظ الأنثيين.

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير في تفسير آية فصلت: والحظ: النصيب من الشيء مطلقاً، وقيل: خاص بالنصيب من خير، والمراد هنا: نصيب الخير، بالقرينة أو بدلالة الوضع، أي ما يحصل دفع السيئة بالحسنة إلا لصاحب نصيب عظيم من الفضائل، أي من الخلق الحسن والاهتداء والتقوى. فتحصل من هذين أن التخلق بالصبر شرط في الاضطلاع بفضيلة دفع السيئة بالتي هي أحسن، وأنه ليس وحده شرطا فيها بل وراءه شروط أخرى يجمعها قوله (حظ عظيم) أي من الأخلاق الفاضلة، والصبر من جملة الحظ العظيم لأن الحظ العظيم أعم من الصبر، وإنما خص الصبر بالذكر لأنه أصلها ورأس أمرها وعمودها. انتهى.

وهذا الحظ المذكور إن تعلق بالدنيا فقد يناله الصالح وغيره، فكلاهما ينال حظه من التركة، وكذلك الرزق المقدر يناله كل واحد مهما كان حاله.. وأما الحظ الذي يحتمل الدنيا والآخرة كما في آية فصلت فلا يناله إلا المؤمن لما في نصوص الوحيين من خسارة الكفار ولما في حديث الصحيحين: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة.

وفي تفسير البغوي: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.. في الخير والثواب، وقال قتادة: الحظ العظيم الجنة، أي: ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة...

وقال ابن كثير في التفسير: ذو حظ عظيم أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة. انتهى.

وقد ينال المؤمن حظاً عظيماً في الجنة ولو كان قد تلبس بشيء من الفسق تفضلاً من الله عليه أو بسبب توبة أو عمل يكفر سيئاته أو غير ذلك.

فقد قال ابن تيمية رحمه الله: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها التوبة، ومنها الاستغفار، ومنها الحسنات الماحية، ومنها المصائب المكفرة، ومنها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها شفاعة غيره، ومنها دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدى للميت من الثواب والصدقة والعتق، ومنها فتنة القبر، ومنها أهوال يوم القيامة. انتهى.

ولا شك في أن المرأة المذكورة كانت صاحبة حظ عظيم بما منَّ الله به عليها من المغفرة ودخول الجنة كما روي في بعض روايات الحديث، وقد جازاها الله بذلك لحسن نيتها ولرحمتها الكلب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سبب ذلك: فهذا لما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة إذ ذاك...

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني