الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمة تعيير الأولاد بسبب لونهم ووجوب برهم له مع إساءته لهم

السؤال

أرجوا منكم ـ أيها الأفاضل ـ إرشادي وتوجيهي والدعاء لي، فأبي ـ سامحه الله ـ يفرق بيننا في محبته لسبب واحد وهو تباين الألوان، فمن كانت من ذوات البشرة السمرة ـ القمحي ـ فإنه يظن أنها كما نقول بالعامي نذلة لا تحب إلا مصلحتها ويقوم بتعييرها بخلقتها بقوله: السوداء ـ مع أنها سمراء وليست سوداء، والفتاة بيضاء البشرة يحبها ويتوقع أنها لا تخطئ وأنها مثل أمه فهي طيبة ومن خيرة الناس ولا تظلم ولا تفعل المنكرات وما شابه ذلك وإننا من النوع الأول وقد عانيت كثيراً وقاسيت كل أنواع الضرب والعذاب بسبب شيء لا ذنب لي فيه حتى إنني عندما أرى أختي الصغيرة تمر بما مررت به أحس بالضيق وأبكي لذكري أنها هي نفس مواقفي ومع أن أبي أسمر البشرة جداً جداً، إلا أننا لم نصل لدرجة سمرة لونه ومع ذلك فهو يرى نفسه جميلا ووسيما وأبيض اللون ولا يرضى أن ينتقده أحد وكذلك يرى أولاده الذكور، أما نحن الإناث اللاتي قال الله عنا: أومن ينشؤ في الحلية ـ واللاتي تتغير مشاعرنا لأدنى شيء فهو يقوم بالتفرقة بيننا وإثارة المشاعر السيئة في نفوسنا ولا أخفيكم علماً أن أبي يفهم أموراً كثيرة في الشريعة الإسلامية، ولكن ما زالت حالتنا على ما هي عليه وفي حقيقة الأمر عندما كنت طفلة صغيرة كنت أحبه بالرغم من كل ما يفعله معي حتى إنني كنت شبه يومياً أُضرب ويقطع كلامي ولا يحب مني ضحكة واحدة ومع ذلك كنت أحبه وأراه أفضل الناس وعندما وصلت لسن الخامسة عشر كنت أدعوا الله أن يجعل موتي مع موته حتى لئلا أبكي عليه، ومن شدة حبي له لم أكن أريد فقده والآن وبعد أن أصبحت شابة 22 سنة انقلبت كل مشاعري ولم أعد أحتمل كل ما حدث لي حتى إنني أفكر في تغيير لون بشرتي ولا أعلم هل يجوز في مثل حالتي أم لا؟ وأنا الآن أعاني من حالة نفسية هي خوف شديد لم أعد أريد أحداً أن يصف شكلي وحتى الزواج لا أريده ولا أريد أن تعاد لي الكرة مرة أخرى مع شخص آخر حتى إنني أصبحت اُفكر أن والدي السبب في كل ما يجري لي من خوف ورعب وقد دعوت على نفسي مراراً أن أموت وأبتعد عن هذه الحياه التي سببت لي الكثير من المتاعب وأنا الآن معيدة في جامعتي ومع أنني لم أبدأ التدريس إلا أنني أتعالج من الخوف الذي طُرح في قلبي ولم أعد أطيق من والدي كلمة واحدة ، أرجوكم ماذا أفعل؟ وهل ما فعله والدي جائز؟ وهل يحاسب الأب إذا فرق بين أولاده؟ وهل يجوز لي تغيير لون بشرتي؟.
أرجوكم إفادتي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان ما ذكرت عن والدك واقع منه فعلاً، فهو قد أساء بذلك أشد الإساءة فلا يجوز تعيير المسلم، أو عيبه وخاصة إن كان ذلك متعلقاً بشيء من خلقته كلونه ونحو ذلك مما لا دخل له فيه أصلاً، روى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر بن سليم ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه.

ومن الغريب أن يقع مثل ذلك من الوالد مع ولده يؤذيه بذلك، إذ الأصل في الوالد الشفقة على ولده والذب عنه إن عير بمثل هذا، ثم إن الكيفية التي تكون عليها خلقة الإنسان، أو لونه، أو نحو ذلك ليس فيها دلالة على حسن خلقه، أو طيب معشره، أو العكس من ذلك.

ولا يجوز للوالد أن يضرب ولده إلا لغرض صحيح كالتأديب مثلاً، وأما إن كان للتشفي والغيظ ونحو ذلك فلا يجوز، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 123530.

وينبغي ـ أيضاً ـ أن يعدل بينهم في كل شيء حتى في الأمور المعنوية، فإن عدم التسوية بين الأولاد قد يؤدي إلى وقوع التباغض بينهم، وربما كان مثل هذا التصرف دافعاً للأولاد للوقوع في شيء من العقوق، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير والد النعمان عندما أراد أن يفضل بين أولاده في العطية: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذاً.

فالذي نوصيك به هو الصبر والاستعانة بالله وذكره لتخففي عن نفسك آثار مثل هذه التصرفات السيئة من أبيك ولا تتركي للشيطان مجالاً ليدخل عليك الحزن والآلام، وإن وقع في قلبك شيء من البغض لأبيك بسبب بعض تصرفاته فلا شيء في ذلك، ولكن الواجب الحذر من أن تصدر منك أي إساءة إليه وإن قلت وإلا كنت عاقة فتقصير الآباء لا يسوغ عقوق الأبناء، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 133049.

وأما بالنسبة لتغيير لون البشرة: فقد سبق أن بينا أنه إن كان لإزالة عيب فيجوز، وإن كان لأجل طلب الحسن فلا يجوز، لكونه فيه تغيير لخلق الله، وراجعي الفتوى رقم: 6291.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني