الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمنع الشرع من زيارة الميت قبل مرور أربعين يوما من موته

السؤال

هل تجوز زيارة الميت قبل الأربعين؟ أرغب في دليل مستند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل هناك سند آخر؟ وأنتظر ردكم السريع.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه لا حرج على المسلم في زيارة القبر في أي وقت، وزيارة القبور من الأمور المستحبة، لما فيها من تذكر الموت والآخرة والاعتبار والاتعاظ بحال من سبق والسلام على المؤمنين والدعاء لهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية. رواه مسلم.

وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم لزيارتها وعلل ذلك بتذكيرها الآخرة، كما في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. وفي رواية: فإنها تذكركم الآخرة. رواها أحمد، وصححها الأرناؤوط.

ولا نعلم ما يخالف هذا إلا ما كان سابقاً من النهي المنسوخ بحديث مسلم، وبخصوص ما إذا كانت تجوز زيارتها قبل الأربعين، فجوابه أن ذلك يجوز، وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين بأن موضوع الأربعين لا أصل له حيث قال: أما بالنسبة لزيارة القبور بعد أربعين يوماً: فهذا لا أصل له، بل للإنسان أن يزور قريبه من ثاني يوم دفنه ولكن لا ينبغي للإنسان إذا مات له الميت أن يعلق قلبه به وأن يكثر من التردد على قبره، لأن هذا يجدد له الأحزان وينسيه ذكر الله - عز وجل - ويجعل أكبر همه أن يكون عند هذا القبر وربما يبتلى بالوساوس والأفكار السيئة والخرافات. انتهى.

ولكن أهل العلم قد اختلف في زيارة النساء للقبور، فجوزها الجمهور، وسبب الخلاف فيها ما ثبت من لعنة الزوَّارات في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه: لعن الله زوارات القبور. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، وقد ذكر الحاكم في المستدرك نسخ الحديث الأول بالثاني.

وقال ابن عبد البر: قيل كان النهي عاماً للرجال والنساء ثم نسخ بالإباحة العامة ـ أيضاً ـ لهما، فقد زارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن، وكانت فاطمة تزور قبر حمزة، وقيل إنما نسخ للرجال دون النساء، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور، فالحرمة مقيدة بذلك دون الإباحة لجواز تخصيصها بالرجال دونهن بدليل اللعن. انتهى.

ووفق القرطبي بينهما ونصره الشوكاني فوفق بحمل اللعن على من تكثر الزيارة نظراً لصيغة المبالغة الواردة في الحديث، وجواز الزيارة من غير إكثار، ويدل لرجحان الجواز من غير إكثار ما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عائشة ـ رضي الله عنها: أن جبريل قال له: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين المسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.

ويدل له كذلك إقراره صلى الله عليه وسلم للمرأة التي مر بها تبكي عند قبر، كما في البخاري من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري.

قال ابن حجر في الفتح محتجاً بالحديث على جواز زيارة النساء للقبور: موضع الدلالة منه أنه لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة، ومحل هذا إن علمت السلامة من وقوع محرم كمخالطة الأجانب وتضييع البيوت، أو قيامهن بالصياح، أو غير ذلك.

ثم إنا ننبه إلى أن ذكرى الأربعين ونحوها من كل مأتم يجتمع فيه الناس يقام للميت بدعة في الدين لم تعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه ولا في القرون المشهود لهم بالخير، والخير كله في الاتباع وترك الابتداع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني