الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استتابة الساب قبل قتله وهل لقريبه أن يقيم عليه الحد

السؤال

اختلفت مع بعض الأصدقاء عن فتوى عن أسرة نعرفها وأحببت التأكد منكم
كانت الأسرة تتكون من 7 أفراد الأب والأم والابنة و4 أبناء وكان من 4 أبناء ابن فاسد أرهق الأسرة في حياتها حتى توفي والده من شدة الهم فهو كان يتعاطى المخدرات ويتخانق مع الأسرة دائما ويسبهم ويتكلم في أعراض بنات عائلتهم بفجر ويتهمهم بالزنا معه وتطور الوضع أنه يأتى بأشياء غريبة إلى منزل الأسرة ويقولها جهرا إنه يسرق هذه الأشياء وكان إذا أحد نصحه يشتم ويسب ويخرج عن دينه وأستغفر الله العظيم يسب الخالق لقد تعب الأب والأم والأسرة كلها منه حتى توفي الأب والمشاكل ازدادت والأمر يزداد سوء فاجتمع باقي الإخوة واتفقا على أن يدسوا له السم في الأكل وقد توفي هذا الشاب الفاسد فما حكم الإسلام فى هذه القضية وهل يوجد كفارة لهذه القضية أو ما تنصحون به الأسرة لو كان هذا الشاب عايشا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من سب الله تعالى مختاراً مدركاً لما يقول، فقد كفر بالله وخرج من ملة الإسلام، سواء كان الساب في حالة غضب أو كان في حالة رضا، وسواء كان جاداً أو كان هازلاً، كما قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.... {التوبة:64، 65 }

وقد نقل ابن عبد البر في (التمهيد) عن إسحاق بن راهويه أنه قال: وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر.

وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ( ومن سب الله تعالى، كفر سواء كان مازحاً أو جاداً. وكذلك ‏من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا ‏كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) {التوبة:65} . انتهى. ‏

و سئل الشيخ محمد عليش المالكي عن امرأة سبت الملة، هل ترتد؟ فقال: نعم ؛ارتدت لسبب سبها الملة ، لأن السب أشد من الاستخفاف ، وقد نصوا على أنه ردة ، فليكن السب ردة بالأولى"

وإذا ثبت الحكم بردة شخص ما فإن قتله بعد استتابته هو الحكم والعلاج الشرعي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري .

وقال صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم.

وقد أجمع المسلمون قديما وحديثا على عقوبة المرتد وجمهورهم - بما فيهم المذاهب الأربعة وغيرها - أنها القتل لصريح الأحاديث النبوية.

قال ابن قدامة: (وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد)

ولكن هذا الحد لا يجوز تطبيقه إلا من قبل السلطان، كما سبق في الفتوى رقم: 17707، لأن تطبيق غير السلطان قد يوقع في الفتن التي يحصل منها ضرر أعظم من تحقيق المقصود.

والواجب قبل القتل أن يستتاب فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ: أن رجلا قدم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عن الناس؟ فأخبره أن رجلا كفر بعد إسلامه، قال ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال عمر: أفلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله تعالى، ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني. كما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه.

وكان الواجب على الأب والأسرة أن يتعاونوا جميعا على السعي في هداية الولد بالتربية والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير وتعويده على الطاعات من الصغر، فقد مدح الله تعالى أنبياءه بأنهم كانوا يأمرون أهلهم بالصلاة والزكاة، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا{مريم:54-55}،

وقال تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ولنا من بعده: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {طه: 132}. و قال الله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ {الشعراء:114}

فالواجب على الآباء تجاه الأبناء أن يعلموهم ما فرض الله عليهم من التوحيد والإيمان والعبادة، وأن يغرسوا في قلوبهم حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحذروهم من الانحراف الأكبر المتمثل في الشرك بالله تعالى، ويحذروهم أيضا من كل انحراف يخشى عليهم منه، وذلك حماية لدينهم وإيمانهم وأخلاقهم، ووقاية لهم من النار، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التَّحريم:6} قال علي في تفسير هذه الآية: علموهم وأدبوهم. رواه الطبري في التفسير والبيهقي في الشعب.

فوقاية الإنسان نفسه من النار تكون بامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه والتقرب إليه تعالى بما يحب، ووقاية أهله تكون بتعليمهم ونصحهم وتربيتهم وتوجيههم إلى الخير، وقد ذكر القرطبي في تفسيره أن عمر لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا؟ قال: تنهونهم عما نهاكم الله, وتأمرونهم بما أمر الله. اهـ

وما دام القتل قد حصل فعلا فإن القاتل مخطئ قطعا لإقدامه على ما لا يجوز تطبيقه إلا للسلطة الشرعية أو من ينوب عنها.

ثم إن الشاب قد ذكر السائل أنه يتناول المخدرات فينبغي مراجعة أهل العلم ببلدكم للنظر في ملابسات الموضوع فهل كان ينطق بما ذكر حال صحوة أو حال فقد عقله بسبب المخدرات فإن أهل العلم ذهب كثير منهم إلى أن ردة السكران لا تصح وأنها مثل ردة المجنون.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني