الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح ما قاله القرطبي في تفسيره حول أسباب القتل العشرة

السؤال

ما معنى قول القرطبي في تفسيره للآية 145 من سورة الأنعام، قال علماؤنا: إن أسباب القتل عشرة بما ورد من الأدلة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الكلام المذكور معناه أنه لا يجوز تعمد قتل نفس إلا بواحد من عشرة أسباب، فإن قتل النفس بغير حق، من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وقد نهى الله تعالى عنه في كتابه فقال: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ {الإسراء:33}، وقال تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}، وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اجتنبوا السبع الموبقات... وعد منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقاً -ومعنى معنقاً: خفيف الظهر سريع السير- صالحاً ما لم يصب دما حراماً، فإذا أصاب دما حراماً بلح، أي أعيا وانقطع. وروى ابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق.

وأما الحق الذي يباح به القتل للنفس فمن أسبابه القتل العمد والزنا بعد الإحصان والردة بعد الإيمان... لما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة. وألحق بعض أهل العلم بها الحرابة والسحر، والبغي واللواط وإتيان البهائم والابتداع وترك الصلاة وإرادة الاعتداء على الأنفس والأعراض، فقد قال تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {المائدة:33}، وقد بحث هذه المسائل الحافظ ابن حجر في الفتح عند شرحه لحديث: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة، فقال رحمه الله: قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي استثنى بعضهم من الثلاثة قتل الصائل فإنه يجوز قتله للدفع وأشار بذلك إلى قول النووي يخص من عموم الثلاثة الصائل ونحوه فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب بأنه داخل في المفارق للجماعة أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله بمعنى أنه لا يحل قتله إلا مدافعة بخلاف الثلاثة، قال الحافظ والجواب الثاني هو المعتمد، وحكى ابن التين عن الداودي أن هذا الحديث منسوخ بأية المحاربة من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض قال: فأباح القتل بمجرد الفساد في الأرض.

قال فقد ورد في القتل بغير الثلاث أشياء منها قوله تعالى فقاتلوا التي تبغي وحديث من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه. وحديث من أتى بهيمة فاقتلوه وحديث من خرج وأمر الناس جمع يريد تفرقهم فاقتلوه وقول جماعة الأئمة إن تاب أهل القدر وإلا قتلوا وقول جماعة من الأئمة يضرب المبتدع حتى يرجع أو يموت وقول جماعة من الأئمة يقتل تارك الصلاة قال وهذا كله زائد على الثلاث، قال الحافظ: وزاد غيره قتل من طلب أخذ مال إنسان أو حريمه بغير حق ومن ارتد ولم يفارق الجماعة ومن خالف الإجماع وأظهر الشقاق والخلاف والزنديق إذا تاب على رأي والساحر والجواب عن ذلك كله أن الأكثر في المحاربة أنه إن قتل قتل، وبأن حكم الآية في الباغي أن يقاتل لا أن يقصد إلى قتله وبأن الخبرين في اللواط وإتيان البهيمة لم يصحا وعلى تقدير الصحة فهما داخلان في الزنى وحديث الخارج عن المسلمين تقدم تأويله بأن المراد بقتله حبسه ومنعه من الخروج والقول في القدرية وسائر المبتدعة مفرع على القول بتكفيرهم وبأن قتل تارك الصلاة عند من لا يكفر مختلف فيه كما تقدم وأما من طلب المال أو الحريم فمن حكم دفع الصائل ومخالف الإجماع داخل في مفارق الجماعة وقتل الزنديق لاستصحاب حكم كفره وكذا الساحر.. وقد حكى ابن العربي عن بعض أشياخه أن أسباب القتل عشرة، قال ابن العربي ولا تخرج عن هذه الثلاثة بحال فإن من سحر أو سب نبي الله كفر فهو داخل في التارك لدينه. انتهى كلام الحافظ باختصار.

هذا وننبه إلى أمرين:

الأول: أن المقتول حداً لا يطبق الحد عليه إلا السلطان أو نائبه كما قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام.

الثاني: أن الصائل لا يجوز قتله إذا أمكن دفعه بغيره كما قال ابن المقرئ في روض الطالب: يجوز دفع كل صائل من آدمي وبهيمة عن كل معصوم من نفس وطرف وبضع ومقدماته ومال وإن قل، وله دفع مسلم عن ذمي ووالد عن ولد وسيد عن عبده ومالك عن إتلاف ملكه، ويجب الدفع للصائل بالأخف إن أمكن كالزجر ثم الاستغاثة، ثم الضرب باليد ثم بالسوط، ثم بالعصا، ثم بقطع عضو، ثم بالقتل.. ومتى أمكنه الهرب أو التخلص لزمه.. انتهى المراد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني