الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قالها صريحة (إن الحكم إلا لله)

السؤال

أحد الأصدقاء سألني سؤالاً غريبًا وهو: هل حكم نبي الله يوسف عليه السلام بما أنزل الله؟ فأجبته بنعم، لأنه رسول، فطلب أن أسألكم فما ردكم؟
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فردك على هذا السائل رد صحيح وهو حق وصواب، ولا ينبغي لمسلم أن يسال هذا السؤال! فإذا لم يحكم الأنبياء بشرع الله تعالى، فمن يحكم به إذن؟! فلا يجوز لمسلم أن يتردد أو يشك في هذه القضية، لأنهم جميعًا صلوات الله وسلامه عليهم بلغوا رسالات الله، وحكموا بين الناس بشرع الله تعالى، والواجب علينا في حقهم أن نعتقد منهم كل صفات الكمال البشري، وأن ننفي عنهم خلاف ذلك، فنعتقد صدقهم وأن الله تعالى فضلهم على سائر الخلق وشرفهم بنبوته ورسالته، وأن الله تعالى جبلهم على الأخلاق الفاضلة والخِلال الحميدة، وأن نعتقد عصمتهم من الكفر والجهل بالله تعالى، وكتمان رسالة الله والكذب والخطأ والزلل.

وكلهم صلوات الله تعالى عليهم جميعًا في ذلك سواء، قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة 285].

فإذا كان الله تعالى قد سمى الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا وظلمًا وفسقًا، فالأنبياء -ومنهم يوسف عليه السلام- معصومون من هذا. قال في مغني المحتاج: والأنبياء معصومون قبل النبوة من الكفر، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما كفر بالله نبي قط" وفي عصمتهم قبلها من المعاصي خلاف، وهم معصومون بعدها من الكبائر، ومن كل ما يزري بالمروءة، وكذا من الصغائر -ولو سهواً- عند المحققين، لكرامتهم على الله تعالى أن يصدر عنهم شيء من منها. اهـ.

ولعل الذي أشكل على السائل الكريم أنه كيف يلي يوسف عليه السلام عملاً لرجل فاجر، وقد أجاب عن ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم [يوسف:55] حيث يقول: قال بعض أهل العلم في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر والسلطان الكافر، بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته فلا يجوز ذلك، وقال قوم إن هذا كان ليوسف خاصة، والأول أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه. والله أعلم. اهـ.

وقال القرطبي: ولما فوض الملك أمر مصر إلى يوسف تلطف بالناس، وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل، فأحبه الرجال والنساء. اهـ.

وكيف يظن بيوسف عليه السلام أنه حكم بغير ما أنزل الله؟ وهو الذي أعلن في سجنه، وصرح بأن الحكم لله، كما قال الله: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 39-40].

فالدين القيم مبني على عبادة الله وحده، والتحاكم إليه دون سواه، وما كان ليوسف عليه السلام أن يدع هذا الدين القيم، ويحكم بحكم الطاغوت، وهو معصوم عن كتمان ما أنزل الله إليه، ولهذا نوه القرآن بدعوته، ومجيئه بالبينات، قال الله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34]

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني