الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأظافر والرموش الصناعية والباروكة.. منع أم إباحة

السؤال

ما حكم لبس الأظافر الاصطناعية فوق الأظافر الطبيعية؟ مع العلم أن السبب ليس لعيب خلقي، أو لحادث، بل للتجميل، مع العلم أنني سبق وبحثت في موقعكم المصون ووجدت به فتاوي متناقضة في الحكم، فقد أبحتم لبسها للمتزوجة أمام زوجها وحرمتموها على أخرى، مع العلم بأنني أعتقد أنه لا فرق بين التجمل للزوج وغيره مما أحل الله لنا الخروج أمامهم بزينتنا.
والسؤال الثاني هو: ما حكم لبس الرموش الاصطناعية فوق الرموش الطبيعية؟ مع العلم أنني ـ أيضا ـ بحثت عن فتاويكم ووجدتكم حرمتموها، لأنها داخلة في نطاق التوصيل، ولكن إخوتي لدي تعقيب على فتواكم مع العلم بأن تعقيبي لم يتم لعلمي، أو فقهي، وإنما فعلت كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نستفتي قلوبنا أنتم قد أحللتم لبس الباروكة الاصطناعية، فما دام شعر الباروكة غير طبيعي وقلتم بأن الباروكة لا تدخل ضمن سياق التوصيل، لأنها لم توصل بالشعر، وإنما وُضعت فوق الشعر، إذاً فالرموش كذلك نفس الباروكة، وإنما لشعر الرموش، لماذا أحللتم الباروكة ولم تحللوا الرموش الاصطناعية بالرغم أنهما في نفس الحكم تقريبا؟ مع العلم بأنني أعلم بأن الأظافر تعيق الوضوء فيلزم إزالتها، وأنها تحرم هي والباروكة والرموش في حال كان من باب التدليس والخداع خاصة للخطاب، وجزاكم الله خير الجزاء وأتمنى بأن تجيبوني في أسرع وقت، وبالتفصيل بالاستدلال على كلام كبار العلماء والمفتين، لأنني أريد أن أستزيد بالإضافة إلى وضع كلام العلماء حجّة لكل من يشكك في تحليل أو تحريم ماسبق وذكرته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما الأظفار الصناعية فلم نفرق فيها بين المتزوجة وغيرها، وإنما فرقنا بين من يضعها للتداوي، كمن قلعت أظفاره لمرض واحتاج إلى زرع أظافر صناعية، أو تركيبها، فلا مانع من ذلك، وبين من يركبها لمجرد الزينة فهذا لا يجوز، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 125705، ورقم: 20806.

وكذلك في الرموش الصناعية، فرقنا بين من يكون في حاجة ماسة إليها، كمن أصيب بمرضٍ، أو حرق، أو نحوه من الآفات فأتلف هدب العين مما أدى إلى تغير شكله وقبح صورته، وقلنا: إن هذا ـ إن شاء الله ـ لا حرج فيه بخلاف من يضعها للزينة، ولا سيما إن كانت ثابتة، فهذا يدخل في تغيير خلق الله، كما يدخل في عموم الوصل المنهي عنه، ولا فرق في ذلك بين المتزوجة وغيرها، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 613، 1007، 31222، 125329.

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز استخدام الأظافر الصناعية، والرموش المستعارة، والعدسات الملونة، لما فيها من الضرر على محالها من الجسم، ولما فيها ـ أيضا ـ من الغش والخداع، وتغيير خلق الله.

وقال الشيخ العثيمين في فتاوى نور على الدرب: الرموش الصناعية لا تجوز، لأنها تشبه الوصل، أي وصل شعر الرأس، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة. انتهى.

وقال الشيخ ابن جبرين: لا يجوز تركيب هذه الرموش على العينين، لدخوله في وصل الشعر، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، فإذا نهي عن وصل شعر الرأس بغيره فكذلك رمش العين لا يجوز وصله. اهـ.

وقال الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند في كتابه زينة المرأة بين الطب والشرع: أما الرموش الصناعية والمواد التي تدهن بها الرموش الطبيعية، فيقول الأطباء: إنها مكونة من أملاح النيكل، أو من أنواع مطاط صناعي، وهما يسببان التهاب الجفون وتساقط الرموش. انتهى.

وجاء في مقال للدكتور وجيه زين العابدين، نشر في مجلة الوعي الإسلامي: وكم من مرة سببت الرموش الصناعية التهاباً بالجفن. اهـ.

ومن جوامع ما يمكن نقله في موضوع زينة المرأة ما ذكره الدكتور عبد الله الفوزان في كتابه زينة المرأة المسلمة حيث يقول: أنا أدعو المرأة المسلمة إلى تأمل الأمور التالية في موضوع أدوات التجميل:

الأمر الأول: نصوص الشرع تدل على أن هذه الأصباغ والمساحيق لا يجوز استعمالها إلا بالشروط الآتية:

الأول: أن لا تكون بقصد التشبه بالكافرات، إذ لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتشبه بالكافرة فيما يختص بها من أمور الزينة.

الثاني: أن لا يكون هناك ضرر من استعمالها على الجسم، لأن جسم الإنسان ليس ملكاً له، وهو منهي عن فعل ما يضر به.

الثالث: أن لا يكون فيها تغيير الخلقة الأصلية، كالرموش الصناعية، أو الحواجب ونحوهما، ومن ذلك العدسات اللاصقة الملونة.

الرابع: أن لا يكون فيها تشويه لجمال الخلقة الأصلية المعهودة.

الخامس: أن لا تصل على حد المبالغة، لأن الإكثار فيها يضر بالبشرة، أو يدخل في دائرة الإسراف المذموم.

السادس: أن لا تكون مانعة من وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء، أو الغسل.

الأمر الثاني: إن هذه الوسائل كما هي لعب بعقل المرأة المسلمة، فهي ابتزاز لمال المسلمين، حيث تظل المرأة تلاحق الموضة، وتنفق الأموال الطائلة دون أن تشعر مع طول المدى، ومن مكر القوم أنهم يقولون عن الأصباغ التي لا تؤثر على بشرة المرأة: هي ذات القيمة العالية. انتهى.

وأما ما يتعلق بالشعر المستعار المسمى بالباروكة: فهو محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من منعه مطلقا ومنهم من أباحه مطلقا، ومنهم من فصل، ففرَّق بين حال الحاجة وعلاج العيب وعدمه، وقد سبق لنا ذكر هذا الخلاف وترجيح الجواز في الفتاوى التالية أرقامها: 65237، 45940، 49248، 116250.

كما سبق لنا ترجيح التحريم في فتاوى أخرى وهي ذات الأرقام التالية: 35598، 31272، 81118.

والذي اختارته اللجنة الدائمة هو المنع، فقالت: لبس ما يسمى بالباروكة بدأ في غير المسلمات واشتهرن بلبسه والتزين به حتى صار من سمتهن، فلبس المرأة إياها وتزينها بها ولو لزوجها فيه تشبه بالكافرات، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: من تشبه بقوم فهو منهم ـ ولأنه في حكم وصل الشعر، بل أشد منه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعن فاعله. انتهى.

وللشيخ ابن باز رسالة مطولة في منع ذلك، نشرت في مجلة البحوث الإسلامية في العدد: 45 وهو ما اختاره أيضا الشيخ الفوزان والشيخ الألباني وكذلك الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه المفصل في أحكام المرأة: ص 3ـ 381ـ فقال بعد بحث مسألة الوصل: هناك شعور صناعية ذات ألوان مختلفة تربط بشعر المرأة ليظهر شعرا طويلا وكثيرا، وقد تكون هذه الشعور بشكل معين توضع على رأس المرأة وتوصل بشعرها، وهي التي تسمى: الباروكة ـ وهذا كله محظور، لأنه يسمى شعرا ويدخل في مفهوم وصل الشعر المنهي عنه.

كما أن في هذا الشعر تدليسا وتغريرا، وإنما رجحنا جواز وصل شعر المرأة بغيره إن لم يكن فيه تدليس ولا تغرير، ويعرف الناظر إليه أنه ليس بشعر المرأة ولا يشبهه، ولهذا قال القاضي عياض: وأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه ـ فقوله: مما لا يشبه الشعر ـ قيد لرفع النهي عنه، فإن كان يشبهه فإن النهي يشمله، لما فيه من تدليس، وقد جاء في حديث مسلم عن أبي هريرة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، ونساء كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البخت ـ قال النووي: يعني يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة، أو عصابة، أو نحوهما، وفي الحديث ذم ذلك.

وقال القرطبي: البخت جمع بُختية وهي ضرب من الإبل عظام الأسنمة، وهي جمع سنام، وهو أعلى ما في ظهر الجمل، شبه رؤوسهن بها، لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن تزينًا وتصنعًا، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن، وهذا الحديث يعد من المعجزات النبوية، فقد وجدنا في عصرنا الكاسيات العاريات اللاتي هن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة، لما يلبسنه من الثياب الرقيقة الضيقة، واللاتي يعظمن ويكبرن رؤوسهن ـ بالباروكة ـ ونحوها. انتهى.

وأما الشيخ العثيمين فقال: الباروكة محرمة وهي داخله في الوصل وإن لم تكن وصلاً، فهي تظهر رأس المرأة على وجه أطول من حقيقته، فتشبه الوصل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، لكن إن لم يكن على رأس المرأة شعر أصلاً، أو كانت قرعاء، فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب، لأن إزالة العيوب جائزة. انتهى.

وهذا التفصيل هو ما يتسق مع ما رجحناه في الأظافر والرموش الصناعية، وهو ما رجحه ـ أيضا ـ الدكتور عـادل المطـيرات في رسالته وصـل الشعر وحكم زراعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني