الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

توفي أبي (رحمه الله) فى ليلة الجمعة الماضية، والحمد لله فإنه كان يمتاز بسيرة عطرة شهد بها كل من أحاط به. وحينما بحثت عن فضل الموت فى ليلة الجمعة وجدت حديثا يقول: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر). ولي عدة أسئلة: أولاً: ما معني فتنة القبر؟ وإذا كانت هى سؤال الملكين فهل الوقاية منها ضمان للجنة على اعتبار أن من أجاب على أسئلة الملكين دخل الجنة؟
ثانياً: بعد الموت وجدت اسوداداً فى وجه أبي مما أخافنى وإخوتي خوفا شديداً، ووجدت اصفراراً شديدا فى قدمية (مما يدل على هروب الدم) فما دلالة ذلك؟ وهل سواد الوجه من علامات سوء الخاتمة؟ علماً بأنه توفي نتيجة ضيق فى التنفس وبداء فى البطن.ثالثاً: بالنسبه لأمي، هل يلزم عدم خروجها من بيتها طوال فترة العدة؟ وهل خروجها مع أولادها لأسباب غير ضرورية ولكن بغرض الترويح عنها جائز؟ علماً بأن سن والدتى حوالي 70 سنة.نرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً؟
وأرجو من حضراتكم ومن كل من يقرأ هذه الفتوى الدعاء لوالدي رحمه الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق الكلام عن هذا الحديث المذكور في الفتوى رقم: 97384, وبينا في الفتوى ذاتها المقصود بفتنة القبر .

ونزيد الأمر وضوحا فنقول:

جاء في تحفة الأحوذي: قال القرطبي: هذه الأحاديث أي التي تدل على نفي سؤال القبر لا تعارض أحاديث السؤال السابقة أي لا تعارضها بل تخصها، وتبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال, وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه, وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المصدوق. انتهى.

وفيه أيضا: قال الحكيم الترمذي: ومن مات يوم الجمعة فقد انكشف له الغطاء عما له عند الله، لأن يوم الجمعة لا تسجر فيه جهنم وتغلق أبوابها ولا يعمل سلطان النار فيه ما يعمل في سائر الأيام، فإذا قبض الله عبدا من عبيده فوافق قبضه يوم الجمعة كان ذلك دليلا لسعادته وحسن مآبه، وإنه لا يقبض في هذا اليوم إلا من كتب له السعادة عنده فلذلك يقيه فتنة القبر لأن سببها إنما هو تمييز المنافق من المؤمن, قلت ومن تتمة ذلك أن من مات يوم الجمعة له أجر شهيد فكان على قاعدة الشهداء في عدم السؤال. انتهى.

وفيه أيضا: وأخرج من طريق ابن جريح عن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم أو مسلمة يموت في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقي عذاب القبر وفتنة القبر ولقي الله ولا حساب عليه، وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له أو طابع. وهذا الحديث لطيف صرح فيه بنفي الفتنة والعذاب. انتهى .

فيستفاد من ذلك أن الموت في يوم الجمعة من علامات حسن الخاتمة.

أما بخصوص النجاة من عذاب الآخرة لمن نجا من عذاب القبر، فهذا علمه عند الله جل وعلا، ولكن قد روى عثمان بن عفان رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه. رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

جاء في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: فما بعده أي من المنازل أيسر منه أي أسهل وأهون؛ لأنه يفسح للناجي من عذاب القبر في قبره مد بصره, وينور له, ويفرش له من بسط الجنة, ويلبس من حللها, ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها, وكل هذه الأمور مقدمة لتيسير بقية منازل الآخرة, وإن لم ينج منه أي لم يخلص من عذاب القبر, ولم يكفر ذنوبه, وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به فما بعده أشد منه؛ لأن النار أشد العذاب, فما يحصل للميت في القبر عنوان ما سيصير إليه. انتهى.

أما ما رأيتم من تغير في وجه أبيكم فهذا لا علاقة له بحسن الخاتمة أو سوئها، وقد يكون هذا بسبب طبيعي ولأجل هذا استحب أهل العلم ستر وجه الميت.

جاء في الاستذكار لابن عبد البر : وأما تغطية وجه الميت قبل الغسل وفي حين الغسل بخرقة فلأن الميت ربما تغير وجهه بالسواد ونحوه، وذلك لداء أو لغلبة دم فينظر الجهال إليه فينكرونه ويتأولون فيه. انتهى.

وأما بالنسبة لخروج أمك من بيتها فترة العدة نهارا فلا حرج فيه إذا كان لحاجة لها, كما بيناه في الفتوى رقم: 9037, وذهب بعضهم إلى أنه يجوز لها الخروج نهارا ولو لغير حاجة كفسحة ونحوها.

جاء في الإنصاف للمرداوي: وقيل : لها الخروج نهارا لحوائجها وغيرها. انتهى.

ولكن في كل الأحوال لا تبيت إلا في بيتها .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني