الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دليل الفقهاء على صحة زواج المجنون

السؤال

ما دليل السادة الفقهاء على صحة زواج المجنون؟ حيث إني لم أجد دليلا لهم حسب قراءتي المتواضعة سوى أنهم قاسوا المجنون على الصغير. فكما أن زواج الصغير صحيح فكذلك زواج المجنون إذا زوجه وليه صحيح.
فما الدليل غير القياس؟ وما رأيكم في هذا القياس أصلاً. هل يقاس المجنون على الصغير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمجنون البالغ إن كان يفيق أحيانا تنظر إفاقته ولا ينعقد تزويجه بغير إذنه، وإن كان جنونه مطبقا جاز لوليه تزويجه إن احتاج لذلك رفعا للضرر المتوقع بعدم التزويج، وجلبا للمصلحة المترتبة على ذلك، وليس قياسا على الصبي، وإليك كلام بعض أهل العلم في المسألة

جاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: أن المعتوه وهو الزائل العقل بجنون مطبق، ليس لغير الأب ووصيه تزويجه. وهذا قول مالك. وقال أبو عبد الله بن حامد: للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء، بأن يتبعهن ويريدهن. وهذا مذهب الشافعي، لأن ذلك من مصالحه، وليس له حال ينتظر فيها إذنه. وقد ذكرنا توجيه الوجهين في تزويج المجنونة. وينبغي على هذا القول أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب: إن في تزويجه ذهاب علته. لأنه من أعظم مصالحه. انتهى.

وفي تكملة المجموع وهو شافعي:

فإن كان المجنون بالغا نظرت، فان كان يجن ويفيق، لم يجز للولي تزويجه؛ لأن له حالة يمكن استئذانه فيها وهى حال إفاقته، وإن لم يكن له حال الإفاقة، فان كان خصيا أو مجبوبا أو علم أنه لا يشتهى النكاح لم يجز للولي تزويجه لأنه لا حاجة به إلى النكاح، وإن علم أنه يشتهى بأن يراه يتبع نظره النساء أو علم ذلك بانتشار ذكره أو غير ذلك جاز للأب والجد تزويجه لأن فيه مصلحة له، وهو ما يحصل له به من العفاف، فان لم يكن له أب ولا جد زوجه الحاكم. انتهى.

وقال الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: يعني أن كلا من الأب ووصيه، وإن سفل والحاكم يجبر المجنون إذا احتاج للنكاح لا للخدمة بأن خيف منه الفساد، لأن الحد، وإن سقط عنه فلا يعان على الزنا وهذا إذا كان مطبقا، فإن كان يفيق أحيانا انتظرت إفاقته انتهى.

وفي رد المحتار لابن عابدين الحنفي: قوله كمعتوه ومجنون أي ولو كبيرين والمراد كشخص معتوه. إلخ، فيشمل الذكر والأنثى. قال في النهر: فللولي إنكاحهما إذا كان لجنون مطبقا، وهو شهر على ما عليه الفتوى. انتهى.

وبناءً على ما سبق فدليل ما أجمعت المذاهب الأربعة عليه من صحة نكاح المجنون عند الحاجة هو ما يترتب عليه من جلب المصلحة ورفع الضرر وذلك مقصد عظيم من مقاصد الشرع الحكيم.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن. انتهى.

وليس الدليل هو قياسهم للمجنون على الصغير، وإن كان يشتركان في بعض الأحكام، لكن يجوز قياس المجنون على الصغير بجامع عجز كل منهما عن النظر لنفسه، وكقولنا الصبي يولي عليه لحكمة وهي عجزه عن النظر لنفسه فينصب الجنون سببا قياسا على الصغر لهذه الحكمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني