الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

له دين يخجل عن المطالبة به فكيف يزكيه

السؤال

سؤالي عن زكاة الدين الذي لم أطالب به ولا أستطيع ذلك لخجلي، ولا أعلم هل المدين معسر أم لا؟ فماذا أفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الأصل في النقود التي بلغت نصابا وحال عليها الحول وجوب الزكاة فيها، وكون المال مقرضا لا يعني أن الزكاة تسقط عنه، قال صاحب إعانة الطالبين وهو من كتب الشافعية: فالزكاة في المال الذي أقرضه واجبة عليه لأن ملكه لم يزل بالقرض رأسا، لأنه بقي بدله في ذمة المقترض.اهـ.

وإذا كان الدين حالا فأخرج الزكاة عنه في كل سنة، لأنه دين مرجو الأداء وأنت قادر على أخذه فهو في حكم المال الذي بيدك إلا إن تبين أنهم معسرون، أو مماطلون فلا يجب عليك الإخراج إلا حين قبضه، وليس ما ذكرته من الحياء يعد مانعا من أخذه، وهذا ـ أي وجوب إخراج الزكاة قبل القبض ـ هو مذهب الشافعية، وعند الحنابلة تزكيه إذا قبضته عن كل السنين ولا تطالب بزكاته قبل قبضه، جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الدّين الحالّ قسمان دين حالّ مرجوّ الأداء، ودين حالّ غير مرجوّ الأداء، فالدّين الحالّ المرجوّ الأداء: هو ما كان على مقرٍّ به باذلٍ له، وفيه أقوال:

فمذهب الحنفيّة، والحنابلة، وهو قول الثّوريّ: أنّ زكاته تجب على صاحبه كلّ عامٍ، لأنّه مال مملوك له، إلاّ أنّه لا يجب عليه إخراج الزّكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكّاه لكلّ ما مضى من السّنين.

ومذهب الشّافعيّ في الأظهر، وحمّاد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي عبيدٍ: أنّه يجب إخراج زكاة الدّين المرجوّ الأداء في نهاية كلّ حولٍ، كالمال الّذي هو بيده، لأنّه قادر على أخذه والتّصرّف فيه. اهـ.

وإن تبين أنهم معسرون، أو مماطلون فلا تطالب بزكاته إلا عند قبضه، وقال بعض الفقهاء لا زكاة فيه، والمفتى به عندنا أنه يزكى عند قبضه، وهل تزكيه لسنة واحدة أم عن كل السنين الماضية؟ قولان لأهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: وأمّا الدّين غير المرجوّ الأداء، فهو ما كان على معسرٍ، أو جاحدٍ، أو مماطلٍ، وفيه مذاهب فمذهب الحنفيّة فيه كما تقدّم، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثورٍ، ورواية عن أحمد، وقول مقابل للأظهر للشّافعيّ: أنّه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك، والقول الثّاني وهو قول الثّوريّ، وأبي عبيدٍ ورواية عن أحمد، وقول للشّافعيّ هو الأظهر: أنّه يزكّيه إذا قبضه لما مضى من السّنين، لما روي عن عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ في الدّين المظنون: إن كان صادقًا فليزكّه إذا قبضه لما مضى ـ وذهب مالك إلى أنّه إن كان ممّا فيه الزّكاة يزكّيه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ وإن أقام عند المدين أعوامًا، وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن واللّيث، والأوزاعيّ. اهـ. والمفتى به عندنا مؤخرا أنك تزكيه عن كل السنين، وانظر الفتوى رقم: 130746.

وإن كان الدين الذي لك على الناس لم يحل بعد فهو في حكم الدين على المعسر تزكيه إذا قبضته عن كل السنين، جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الحنابلة وهو الأظهر من قولي الشّافعيّة: إلى أنّ الدّين المؤجّل بمنزلة الدّين على المعسر، لأنّ صاحبه غير متمكّنٍ من قبضه في الحال فيجب إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع السّنوات السّابقة، ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة: أنّه يجب دفع زكاته عند الحول ولو لم يقبضه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني