الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى (..لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم..)

السؤال

يقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ـ فكيف تكون خيانة الله ـ والعياذ بالله ـ من هذه الخيانات؟ وكيف تكون خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم والأمانات؟ وماهي هذه الأمانات؟ أطلب منكم الدعاء لي بالشفاء والاستقامة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27}.

من سورة الأنفال نزلت هذه الآية كما قال المفسرون في قصة الصحابي الجليل أبي لبابة الأنصاري -رضي الله عنه- مع حوادث أخرى، وتدل هذه الآية على عظم شأن الأمانة وأن أداءها دليل على استقامة المؤمن ونزاهته، ومعنى خيانة المؤمن لله ورسوله هو أن يضيع حق الله وحق رسوله في الأوامر والنواهي، فلا يمتثل ما أمر به ولا يجتنب ما نهي عنه، أو أن يوالي أعداء الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ظاهرًا وباطنًا، فكل من فعل شيئًا من ذلك فهو خائن لله ورسوله وأمانته، والأمانات تعم جميع ما يجب على المسلم من حقوق الله -عز وجل- على عباده من التوحيد والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ولا يطلع عليه العباد.

كما تشمل أيضا حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله -عز وجل- بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، فالتفريط في هذه الواجبات كلها، أو نقصها من الخيانة لله ورسوله.

قال ابن كثير بعد أن ذكر أسباب نزول الآية قلت: والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء، والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وتخونوا أماناتكم ـ الأمانة: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد، يعني الفريضة يقول: لا تخونوا لا تنقضوها، وقال في رواية: لا تخونوا الله والرسول، يقول بترك سنته وارتكاب معصيته، قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في هذه الآية، أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السر إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم ـ وقال السدي: إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم. انتهى.

وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسير الآية المذكورة: والأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد، وسميت أمانة، لأنها يؤمن معها من منع الحق. انتهى.

وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عند تفسير هذه الآية: فالإيمان والطاعة لله ورسوله عهد بين المؤمن وبين الله ورسوله فكما حذروا من المعصية العلنية حذروا من المعصية الخفية، وتشمل الخيانة كل معصية خفية فهي داخلة في لا تخونوا، لأن الفعل في سياق النهي يعم إلى أن قال وللأمانة شأن عظيم في استقامة أحوال المسلمين ما ثبتوا عليها وتخلقوا بها وهي دليل على نزاهة النفس واستقامتها. انتهى.

وانظر الفتوى: 121853.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني