الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من زنا بامرأة متزوجة أو معتدة فهل تحرم عليه على التأبيد

السؤال

جزاكم الله خيرا وثبتكم الله على الدين والشرع. عندي سؤال في قضية هامة وخطيرة سألني عنها أحد الإخوة الملتزمين وكلفني بالبحث عنها وجوابها. أريد استفسارا واضحا منكم إن شاء الله، وأنا فاعل خير، ادعوا لي بالثبات.
سمعت هذه الفتوى ولم أعرف مصدرها، وأردت التأكد من عند أهل العلم.
الفتوى تقول: لو زنى رجل بامرأة ذات بعل، أو في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه مؤبّداً، على الأحوط وجوباً، أمّا لو زنى بامرأة في عدّتها غير الرجعيّة فلا يؤدي الزنا إلى تحريمها عليه مؤبّداً، فيمكنه أن يتزوّجها بعد انتهاء عدّتها.
السؤال 1 : ما صحة هذه الفتوى؟ وإن كانت هذه الفتوى صحيحة أريد جوابا عن هذا السؤال الهام.
أعرف أنا هناك فتاة تم عقد قرانها وأرادت فسخ العقد قبل الدخول وليس بعد الدخول، ولأسباب ربما عديدة، لكن السبب الذي أعرفه أنا هو من أجل شخص آخر، وحين أرادت العدول أو الفسخ أعلم أبوها أهل الزوج بالفسخ وبأنهم لا يريدون هذا الزواج أو الزوج، لكن أهل الزوج لم يردوا بأي رد وانقطعت أخبارهم لمدة نصف سنة أو أكثر بعد إعلان الفسخ.
السؤال 2 : هل تعتبر فسخت عقدها ؟ أم يجب أن تقوم بإجراءات أخرى؟ وللعلم أن مثل هذه الحالة لا تتطلب محاكم؛ لأن عقدها ليس مدنيا وليس موثقا بأوراق ولاتأخذ به محاكمنا، وللعلم أيضا أن هذا السؤال وجهته لشيخ عندنا فقال إنه يفسخ العقد ولا يلزم على الزوج التلفظ بالطلاق قبل الدخول. والله أعلم.
السؤال 3 : أخطأت الفتاة والفتى بالزنا، هل كانت فاسخة لعقدها قبل الزنا أم لا ؟ وهل تحرم عليه إن لم تكن فسخت؟ وللعلم أنه صلح حاله وتاب إلى الله عز وجل، وأراد الاستفسار لكي يتزوجها لأنها فسخت عقدها من أجله، وهو يريد سترها؛ لأن هناك أشياء تحتاج للستر على حسب قوله، فهو يريد سترها ويمشي معها على طريق الله ورسوله والسلف الصالح أو يتركها والله وليها.
جوابكم مفيد له أفادكم الله عز وجل عنا وعنه كل خير. أرجو الإجابة عن الأسئلة جميعا، وهناك استفسار أخير: علمت بأن هذا الزوج كان لا يصلي ويشرب الخمر في الماضي، أما الآن فلا أعلم ولا أحد يعلم حتى الفتاة نفسها لا تعلم. السؤال إذا كان هذا العقد والزوج لا يصلي هل يعتبر العقد صحيحا أم لا ؟ بارك الله فيكم مسبقا. وأدعو الله لكم بجزيل الثواب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نجد لهذا التفريق أصلا، فمن زنى بامرأة متزوجة أو بالمعتدة بنوعيها الرجعية والبائن فلا تحرم عليه على التأبيد. وقد صرح بهذا فقهاء المالكية، ففي مختصر خليل قوله:( وتأبد تحريمها بوطء وإن بشبهة.....لا بعقد أو بزنا..

ونقل المواق في شرحه التاج والإكليل لمختصر خليل عن ابن رشد أنه قال:( الوطء بزنا في عدة أو استبراء لا يحرم اتفاقا. هـ.

فتبين بهذا أنهم قد ذهبوا إلى أنها تحرم عليه مؤبدا بالوطء أي بعد عقد لا بمجرد الزنا، والجمهور على خلاف ذلك.

قال ابن قدامة في المغني: مسألة قال : وله أن ينكحها بعد انقضاء العدتين يعني للزوج الثاني أن يتزوجها بعد قضاء العدتين...... وعن أحمد رواية أخرى , أنها تحرم على الزوج الثاني على التأبيد . وهو قول مالك وقديم قولي الشافعي لقول عمر لا ينكحها أبدا. اهـ.

وليس من حق المرأة أو وليها فسخ النكاح إلا لمسوغ شرعي، وإذا وجد مسوغ فلا بد من رفع الأمر إلى القاضي الشرعي، وراجع الفتوى رقم 143979.

وأما طلب فسخ النكاح من أجل الزواج من آخر فلا يجوز. فإذا لم يطلق الزوج أو يفسخ الحاكم فلا تزال هذه الزوجة في عصمة زوجها، فتكون بذلك محصنة، فهي من المحرمات، كما قال تعالى في معرض ذكر المحرمات من النساء: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء {النساء:24}

وإذا لم يكن بالإمكان أن يرفع الأمر إلى القاضي فلتخالع نفسها منه في مقابل عوض تدفعه إليه. وانظر الفتوى رقم: 143445.

وزنا المتزوجة لا تأثير له على العصمة الزوجية. وإن طلقها زوجها فلا حرج على هذا الزاني في الزواج منها إن تابا إلى الله تعالى، وانقضت عدتها من الطلاق. ولكن إن كان هذا الرجل قد أفسدها على زوجها وكان السبب في طلاقها من زوجها، فإنه آثم بذلك، فتجب عليه التوبة. وراجع الفتوى رقم: 7895.

وقد اختلف الفقهاء في حكم تارك الصلاة تكاسلا، فالجمهور على أنه لا يكفر، ومن العلماء من ذهب إلى كفره. فعلى قول الجمهور فإذا عقد له على امرأة فنكاحه منها صحيح. ولكن لا ينبغي تزويجه ابتداء، لأنه غير مرضي في دينه وخلقه، وراجع الفتوى رقم: 134021.

ونود أن ننبه إلى أن هذا السؤال قد ورد إلينا من جهات متعددة وبصيغ مختلفة، ولا ينبغي للسائل أن يكثر التنقل بين المفتين، فإن هذا قد يشتت ذهنه ويوقعه في الحيرة والاضطراب، ويحرم ذلك إن كان بغرض طلب الرخصة والتسهيل، كما بينا في مقدمة الفتوى رقم: 134759. والمفتي إنما يفتي حسبما ذكر له في وقائع السؤال، فإذا ذكر المستفتي خلاف الواقع وأفتاه المفتي بناء على ذلك لم يجز له العمل بمقتضى هذه الفتوى، فحكم القاضي لا يحل الحرام ولا يحرم الحلال كما بينا بالفتوى رقم: 5592 والفتوى رقم: 21994. وكذلك المفتي من باب أولى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني