الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية البكاء عند تلاوة القرآن وكيفية تحصيله

السؤال

1-هل صح عندكم حديث: إذا لم تبكوا فتباكوا.2-أم أنه ضعيف 3-إذا صح هل يتصنع المسلم البكاء؟ متى يفعل ذلك؟ هل مقصور على قراءة القرآن أم متى يتصنع البكاء؟4-هل صح عندكم حديث: إن القرأن نزل بحزن أو على حزن فاذا قرأتموه فتباكوا؟5-هل إذا لم تبكوا فتباكوا عند قراءة القرآن فقط أم أنه ورد أن ذلك ينفع عند الدعاء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحديث إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا. أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفي إسناده أبو رافع اسمه إسماعيل بن رافع ضعيف متروك كما في الزوائد، وضعفه الألباني، وعند ابن ماجه أيضا الأمر بالتباكي غير مقيد بقراءة القرآن، فروى من حديث الأعمش عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون. فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت.

وهذه الأحاديث وإن كان فيها ما فيها من المقال، لكن البكاء عند قراءة القرآن والبكاء من خشية الله تعالى قد وردت بمدحه النصوص الكثيرة، وكان البكاء من خشية الله تعالى عند ذكره شعار العابدين وطريق الخائفين، ومجاهدة النفس بالتباكي لتحصيل رقة القلب، فيكون البكاء بعد ذلك طبعا لا تطبعا أمرا حسنا محمودا، غير أن ذلك ينبغي أن يكون في الخلوة حذرا من الوقوع في الرياء. ولما ورد في مدح الباكين في الخلوات كقوله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.

والدعاء من جملة الذكر، فلو بكى الداعي تضرعا وافتقارا إلى ربه أو تباكى كان ذلك حسنا.

وقد ذكر النووي رحمه الله في التبيان فصلا في البكاء عند قراءة القرآن وبين السبيل الموصلة إلى هذه الفضيلة العظيمة.

فقال: البكاء في حال القراءة هو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف. فمن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم [ اقرؤوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته وفي رواية : أنه كان في صلاة العشاء فدل على تكرره منه، وفي رواية : أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.

وعن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع، وعن أبي صالح قال : قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجعلوا يقرؤون ويبكون فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : هكذا كنا، وعن هشام قال : ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة. والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها وفيما أشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية والله أعلم.

قال الإمام أبو حامد الغزالي : البكاء مستحب مع القراءة وعندها، وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن وبكاء يحضر الخواص فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب. انتهى مختصرا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني