الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستشفاء بالاستغفار والقرآن

السؤال

أريد معرفة كيفية الاستشفاء بالاستغفار، وما عدد مرات الاستغفار في اليوم، وهل يمكن الاستغفار لتحقيق غرض معين أو الاستشفاء من مرض وأيضا أريد معرفة طرق الاستشفاء بالقرآن وجزاكم الله خيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الاستغفار سبب لجلب النعم ودفع النقم, وسبب لتحصيل الرحمة والأرزاق كما قال تعالى فيما قصه عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-12}. وقال تعالى فيما قصه عن هود عليه السلام أنه قال : وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ {هود:52}. وقال تعالى : وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ {هود:3}. وقال تعالى : لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {النمل:46}. ومن الكيفيات الواردة في الشرع في صيغ الاستغفار أن يكون الاستغفار مقرونا بالتوبة الصادقة؛ كما قال تعالى : وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ {هود:3}.

وينبغي أن يواظب العبد على سبعين مرة أو مائة في اليوم؛ كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. وفي صحيح مسلم : يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة .

إضافة إلى الاستغفار الوارد في الصلاة، وكفارة المجلس، ويستجب الإكثار منه فيما فوق ذلك إلا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك تحديد وقد نقل عن بعض السلف الإكثار منه .

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم : وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم , فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة.... إلى أن قال ابن رجب : قال أبو هريرة: إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم ألف مرة وذلك على قدر ديتي, وقالت عائشة رضي الله عنها: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا . قال أبو المنهال : ما جاور عبد في قبره من جار أحب إليه من استغفار كثير, وبالجملة فدواء الذنوب الاستغفار, وروينا من حديث أبي ذر مرفوعا: إن لكل داء دواء إن دواء الذنوب الاستغفار . قال قتادة : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار . وقال بعضهم : إنما معول المذنبين البكاء والاستغفار، فمن أهمته ذنوبه أكثر لها من الاستغفار . قال رباح القيسي : لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت الله لكل ذنب مائة ألف مرة .... انتهى .

والاستغفار يحصل بكل صيغة تدل على طلب المغفرة, والأفضل الاقتصار على الصيغ المأثورة في السنة الصحيحة وهي موجودة في كتب الحديث, وقد سبق بيان بعضها في الفتوى رقم : 51755والفتوى رقم : 56086.

وأما الاستشفاء بالقرآن فيشرع أن يقرأ منه ما تيسر ويسأل الله به ويرقي به نفسه، ويشرع أن ينفث في يديه ويمسح بهما ما شاء من جسده، فقد قال الله تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}. وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}.

وفي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها , فقال: عالجيها بكتاب الله.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه عنه عمران بن حصين : اقرؤوا القرآن وسلوا الله به قبل أن يأتي قوم يقرءون القرآن فيسألون به الناس . رواه أحمد وصححه الألباني .

وعن عمران بن حصين أيضا أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قرأ القرآن فليسأل الله به , فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس . رواه الترمذي . وقال حديث حسن، وصححه الألباني .

وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءة المعوذتين والفاتحة على المريض، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب, فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم , فلدغ سيد ذلك الحي, فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء , فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم شيء, فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ, وسعينا له بكل شيء لا ينفعه, فهل عند أحد منكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم والله إني لأرقي, ولكن استضفناكم فلم تضيفونا, فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا, فصالحوهم على قطيع من الغنم, فانطلق يتفل عليه ويقرأ: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه . فقال بعضهم : اقتسموا , فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا, فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال : وما يدريك أنها رقية ؟ ثم قال : قد أصبتم , اقتسموا واضربوا لي معكم سهما .

وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول : إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة . فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما من التعويذات .

وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات, ومسح عنه بيده, فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث, وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

وقد بينا في الفتوى رقم : 4310, الأمور التي لا بد منها لتكون الرقية شرعية فارجع إليها .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني